130
الأجانب وقبيحَ سجاياهم الدخيلةِ علينا-: إذا مِتُّ ظمآنَ فلا نزَل القَطْر، وإن لم أرَ السعادة فعلى الدنيا العَفَاء. [أي الزوال والهلاك؛ هـ ت]
فهذه الكلمة الحمقاء إنما تصدُر من انعدام الدين، وتأتي من عدمِ معرفة الآخرة، وهي إنما دخلتْ علينا من الخارج، وأخذتْ تَنْفُث السُّموم.
ثم إنه -بفكرِ الأمةِ الذي أخذه الأجانب منا- ينال الواحد منهم قيمةً كأنه أمة، إذْ قيمة المرء بحسَب همَّته، فمن كانت همتُه أُمَّتَه كان أُمةً وحدَه.
وإننا بسببِ قصور نظرِ بعضِنا، وبما أخذْنا من الأجانب من سجايا فاسدة، وبقولِ كلِّ واحدٍ منا: نفسي نفسي، وانصرافِه إلى التفكير بمنفعته الشخصية دون منفعة الأمة، تنحَطُّ قيمةُ المرء منا فيكون الألفُ واحدًا، بالرغم من قوةِ قوميَّتنا الإسلامية وقدسيَّتِها.
ألا مَن كانتْ همَّتُه نفسَه فليس من الإنسان؛ لأنه مدنيٌّ بالطبع، ومضطرٌّ فطرةً لمراعاةِ أبناء جنسه، ولا يمكن لحياتِه الشخصيةِ أن تدوم إلا بالحياة الاجتماعية.
قيسوا حاجات الإنسان برغيف الخبز الذي يأكله، كم يدًا احتاج لتحضيره؟ فهو -في مقابل هذا- يقبِّل تلك الأيدي معنًى؛ وكذا الثيابُ التي يرتديها، كم معملًا له علاقةٌ بها؟ فما دام الإنسان لا يعيش بِفِراءٍ كالحيوان، وما دام ذا علاقةٍ بأبناء جنسه فطرةً، وما دام مضطرًا لإعطائهم ثمنًا معنويًّا، فهو إذًا مدنيٌّ بالفطرة.
وإن مَن يَحصُر نظرَه في مصلحته الشخصية ينسلخ من الإنسانية، وينقلبُ حيوانًا مفترسًا مؤذيًا، اللهم إلا مَن كان مضطرًّا وكان له عذرٌ حقيقي ولم يكن بيده حيلة، فهو مستثنى من هذا الوصف.
الكلمة السادسة: مفتاح سعادة المسلمين في الحياة الاجتماعية الإسلامية، ألا وهي الشورى الشرعية؛ وإن الآية الكريمة: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:38] تأمر باتخاذ الشورى أساسًا.