134
بأنه يتحرَّك وفق نظامٍ محدَّد، فتصوَّروا لحظةَ خروجه من النفق، وفي رأسه النار ذاتُ الوَقود، وفي أنفاسه مثلُ قصفِ الرُّعود، وفي عينيه من الكهرباء بُرُوق، مهدِّدًا بهجومٍ يثير الفزَع، مندفعًا نحو ذَينِك البطلَيْن رستم وهرقل؛ كم سيتملَّكُهُما الخوف والذُّعر!! وكيف سيفرَّان منه آلاف الأمتار رغم شجاعتهما الفائقة!!
انظروا كيف تضمحلُّ حريتُهما وتتلاشى شجاعتُهما أمام تهديد دابَّة الأرض هذه، فلا يجدان حيلةً سوى الفرار!! ذلك أنهما -لعدم اعتقادهما بوجود قائدٍ أو نظامٍ لهذا القطار- لا يَحسبانِه مركبًا مطيعًا، بل يتوهَّمانه أسدًا مخيفًا مفترسًا يجرُّ خلفَه عشرين أسدًا بحجم عربات القطار.
فيا أَخَوَيَّ، ويا أصحابي المستمعين إلى هذه الكلمات بعد خمسين سنة؛ إن الذي أعطى هذا الطفلَ الذي لم يبلغ السادسة حريَّةً وشجاعةً أكثر من ذينِك البطلَين، ورفَعَه فوقَهما درجاتٍ من الأمن والثبات، ليس إلا نواة الحقيقة التي في قلبه، وهي إيمانه واعتقاده واطمئنانه بأن للقطار نظامًا يَجري على وفقِه، وأن زِمامَه بيدِ سائقه، فهو يُسيِّره بحسابه؛ وإن الذي أفزعَ ذينك البطلين أشدَّ الفَزَع، وجعل مشاعرَهما أسيرةَ المخاوف ليس إلا عدمَ اعتقادهما المصطبغَ بالجهل، أي عدمُ معرفتهما بأن للقطار سائقًا، وعدمُ إيمانهما بأن له انتظامًا.
…….
فكما هي الحال في هذين التمثيلين، حيث كان جهلُ هذين البطَلَين العجيبَين وعدمُ اعتقادِهما وضلالتُهما سببَ خوفِهما ورُعبِهما وفزَعِهما، فكذلك هي الحال مع الكفر والضلالة؛ فهما يَعمِدان إلى جميع الكائناتِ -بدءًا من المجموعة الشمسيَّة وانتهاءً بجراثيم السِّلّ- فيصوِّرانها لأهلِ الضلالةِ سلاسلَ وجماعاتٍ من ألوف الأعداء المخيفين، في يدِ قوةٍ عمياء ومصادفةٍ عشواء وطبيعةٍ صمَّاء، تهاجم بشرًا لا حيلة لهم؛ ثم إن الكفرَ والضلالةَ يُلقيان بأهلهما في جهنم حتى وَهُمْ في الدنيا، ويذيقانهم شيئًا من زَقُّومها، إذْ يتوجَّهان إلى