135
الإنسان بما يحمل من ماهيَّةٍ جامعة، واستعداداتٍ كلِّيَّةٍ، وحاجاتٍ لا محدودة، ورغباتٍ غيرِ متناهية، فيَبثَّان فيه على الدوام الخوفَ والألمَ والرهبةَ والقلقَ؛ ويُظهِران أن جميع ما عرفه البشر من علومٍ وترقياتٍ خاليةٍ من الدين والإيمان مَثَلها كمَثَل بطولة هرقل ورستم لا تساوي شروى نقير؛ إلا أنهما يحقِنان الإنسان باللهو والرذيلة والسُّكْر كنوعٍ من إبطال الحسِّ مؤقتًا لئلا يشعر بتلك المخاوف الأليمة؛ ولقد سبقَ إيرادُ هذه الحقيقة في مقدمة هذه الرسالة [يقصد الخُطبة الشامية المترجمة إلى التركية بتوسُّع؛ هـ ت] مع بضعةِ أمثلة، وأثبتتْها رسائلُ النور بمئاتِ الحجج.
فهكذا هي الموازنة بين الإيمان والكفر؛ فكما يُثمِر الإيمانُ والكفرُ ثمراتِهما ونتائجَهما في الآخرة جنةً ونارًا، فكذلك الحال في الدنيا أيضًا، إذْ يحقِّق الإيمان جنةً معنوية في الدنيا، ويجعل الموتَ أمرَ تسريحٍ وإعفاء؛ بينما الكفر جهنَّمُ معنويَّةٌ حتى في الدنيا، يدمِّر سعادةَ البشر الحقيقية، ويجعلُ الموتَ إعدامًا أبديًّا؛ ونختصر هنا مُحِيْلِين إلى ما في رسائل النور من مئاتِ الحُجج القطعية المستندةِ إلى الحسِّ والشهود.
وإذا أردتم أن تشاهدوا حقيقةَ هذا التمثيل فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى الكون.. ما أكثر ما ترَونَ فيه من سلاسلِ الحادثات، ومتسلسلِ الواقعات، وأجرامِ الكائنات، وكُراتِ النجوم السيارات، خلقتْها القدرةُ الأزليَّة بحكمةٍ ونظام، وأقامتْها في البَرِّ والبحرِ والجوِّ، مناطيدَ وسياراتٍ وطياراتٍ وسفنًا بريَّةً وبحريَّةً أمثال هذا القطار!! وكما كان لهذه وجودٌ في عالَم الشهادة والكون المادي، فإن لها نظائرَ متسلسلةً أعجبَ منها، أوجدتْها القدرة الأزلية في العالَم الروحانيِّ وفي المعنويات، يُصدِّق بها مَن له عقل، ويستطيع أن يرى أكثرَها من كان ذا بصيرة.
فجميعُ هذه السلاسل المادِّيَّة والمعنويَّة في الكائنات تهاجم أهلَ الضلالة عديمي الإيمان، وتهدِّدهم، وتُخيفُهم، فتجعل عاليَ قواهم المعنويَّة سافلَها؛ خلافًا لأهل الإيمان، إذْ لا تُخيفهم ولا تُهدِّدهم، بل تمنحهم الفرحَ والسعادةَ والأُنسَ والأملَ والقوةَ، ذلك