136
أنهم بالإيمان يرَون تلك السلاسلَ اللامحدودة، والقطاراتِ المادِّيَّةَ والمعنويَّةَ، والكائناتِ السَّيَّارةَ، مَسوقةً إلى وظيفتها بانتظامٍ تامٍّ في دائرةِ الحكمة، يُديرها ويقومُ عليها صانعٌ حكيم، فلا تَحيد عن وظيفتها مقدارَ ذَرَّة، ولا يطغى بعضُها على بعض؛ كما يرون جميعَ ما في الكائنات مَظهرًا لكمال الصَّنعة وتجلي الجمال، فيمنحهم الإيمانُ تمامَ القوة المعنوية، ويُظهِر لهم بذلك أُنموذجًا للسعادة الأبدية.
وهكذا، فالمخاوفُ الرهيبةُ والآلامُ الفظيعة التي يعانيها أهلُ الضلالة من جرَّاءِ عدم الإيمان، يقف أمامها العلم الحديث مكتوف اليدين، فلا يستطيع هو ولا التقدُّم البشري ولا أيُّ شيءٍ سواهما أن يقدِّم لهم سُلوانًا أو يحقِّق لهم قوةً معنويَّة؛ فتتبدد الجسارة؛ إلا أن الغفلة المؤقَّتة تَحجُب فتَخدَع.
أما أهل الإيمان، فإنهم -بفضل الإيمان- لا محلَّ للخوف عندهم، ولا انكسار لقوتهم المعنوية، بل ينظرون إلى تلك الحادثات بعينِ الحقيقة التي في الإيمان، وبثباتٍ وقوَّةٍ معنويةٍ فائقة -كما فعل الطفل البريء في ذلك المثال- فيشاهدون فيها تدبيرًا وإدارةً في دائرة الحكمة من قِبَلِ صانعٍ حكيمٍ، ويتحرَّرون من الأوهام والمخاوف، ويفهمون أنه ليس بمقدورِ هذه الكائنات السَّيَّارة أن تتحرك أو تتعرضَ لأحدٍ بغير أمرِ الصانع الحكيم وإذنه، فيكون كلُّ واحدٍ منهم -كلٌّ بحسب درجته- مَظهَر السعادة وكمال الطمأنينة في الحياة الدنيا.
ومَن لم يكن في قلبه بذرةُ الحقيقة ونقطةُ الاستناد النابعةُ من الإيمان والدين الحق، اضمحلَّتْ شجاعته وقوَّتُه المعنويَّة ضرورةً -مثلما اضمحلَّتْ شجاعة رستم وهرقل وتلاشَتْ بطولاتُهما في ذلك المثال- وانحلَّ كيانُه، وأمسى أسيرَ حادثاتِ الكائنات، وانحطَّ إلى متسوِّلٍ يهيمن عليه الخوف بين يدي كل شيء؛ ونختصر هذه الحقيقة الطويلة جدًّا، حيث أثبتتْ رسائلُ النور بمئاتِ الحُجج القطعيَّة سرَّ حقيقة الإيمان، وبَيَّنتْ ما في الضلالة من شقاءٍ دنيويٍّ رهيب.