مقتطفٌ مما كَتَبه عن حياته في اسطنبول بعد عودته من الأسر

(الرجاء العاشر من اللمعة السادسة والعشرين)

بعد عودتي من الأسر غلبتْ عليَّ الغفلةُ في اسطنبول من جديدٍ مدَّةَ سنةٍ أو سنتين، وحوَّلَتْ أجواءُ السياسة نظري من نفسي مُشتِّتَةً إياه في الآفاق.. وفي تلك المرحلة كنتُ جالسًا ذاتَ يومٍ في مقبرةِ السلطان أيوب، في مكانٍ مرتفعٍ منها يُطلُّ على وادٍ عميق، أقلِّب النظر في آفاق اسطنبول، وإذا بي يُخيَّل إليَّ كأنَّ دنيايَ الخاصَّةَ قد حضرتْها الوفاة، حتى لكأن الروح تنسلُّ انسلالًا من بعض أطرافي، فقلت: أتُراها الكتاباتُ التي على شواهد القبور هي التي تُخيِّل إليَّ مثلَ هذا الخيال؟

أشَحْتُ بنظري عن الآفاق البعيدة والتفتُّ أنظر إلى المقبرة، فأُخطِر على قلبي: «إن في هذه المقبرة مِن حولك مئةَ اسطنبول.. بلى، لقد أُفرِغت اسطنبول ها هنا مئةَ مرة، وليس بمقدورك أن تبقى استثناءً فتنجوَ من حُكمِ حاكمٍ قديرٍ أفرغَ جميعَ أهالي هذه المدينة هنا.. أنتَ أيضًا سترحَل».