162

الوجود محفوفًا بمئةِ ألفِ محالٍ فحسب، بل يكون خارجًا عن دائرة الإمكان داخلًا في دائرة الامتناع، وخارجًا عن صورةِ الممكن، داخلًا في ماهيَّة الممتنع، أي لن يأتي أيُّ شيءٍ إلى الوجود، بل سيكون مجيئُه إليه محالًا.

وهكذا، فبهذا البرهان البالغِ غايةَ الوضوح والدقة والقوة والعمق سكتتْ نفسي التي كانت تلميذًا مؤقتًا للشيطان، ووكيلًا لأهل الضلالة وأهل الفلسفة، وآمنتْ تمامَ الإيمان ولله الحمد، وقالتْ: أجل، لا بدَّ أن لي خالقًا وربًّا يعلَم أدقَّ خواطر قلبي وأخفى تضرعاتي، فمثلما يلبِّي أخفى حاجاتِ روحي، فهو كذلك القديرُ الذي سيبدِّل هذه الدنيا الهائلة، فيزيلها ويقيم الآخرةَ بدلًا منها ليمنحني السعادة الأبدية؛ وهو كما خلق الذباب أوجدَ السماوات، وهو كما ركَّبَ الشمسَ عينًا في وجه السماء، ركَّب الذَّرَّةَ في بؤبؤ عيني؛ وإلا فمَنْ لم يكن قادرًا على خلق الذباب فليس بقادرٍ على النفاذ إلى خواطر قلبي، وسماعِ تضرُّعاتِ روحي، ومن لم يكن قادرًا على خلقِ السماوات فليس بقادرٍ على منحي السعادةَ الأبدية.

وعلى هذا فإنما ربي مَن يُصلح خواطر قلبي، وإنما ربي مَن مثلما يملأ الجو بالغيوم ثم يُفرِغه في ساعة، يبدِّل الدنيا آخرةً، ويقيمُ الجنة ويفتح لي أبوابها فيقول: هيا ادخل.

فيا إخوتي الشيوخ الذين قَضَوا بعض عمرهم في الفلسفة المظلمة والعلوم الأجنبية مثلي لسوء الحظ، اِفهموا من البلاغِ القدسيِّ الذي صدَح به لسان القرآن على الدوام: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة:163] ما أقواه وما أحَقَّه من ركنٍ إيمانيٍّ لا يتزعزع، ولا يتغيَّر ولا يتصدَّع!! وكيف يبدِّد الظلمات المعنوية، ويداوي الجراح المعنوية!!

***