237

والحال أن ثمة رجلًا من أهل العلم، لقي من الهيئات العلمية في هذه البلاد الإهانةَ والاستخفافَ، مع أنه هو مَن تصدَّى لأعلى مجلسٍ علميٍّ إنكليزيٍّ حين طرح ستةَ أسئلةٍ على «المشيخة الإسلامية»، وطلب منها الإجابة بستمئة كلمة، فأجابه هذا الرجل بست كلمات، ونالت إجابته الاستحسان والتقدير.

وهو الذي واجه أهمَّ دساتير الأجانب وأرسخَ المبادئِ التي قررها حكماؤهم، وتصدَّى لهم بعلمٍ ومعرفةٍ حقيقيَّين فغلبهم؛ وهو الذي تحدى فلاسفة أوروبا مستندًا إلى قوة العلم والمعرفة التي تلقاها من القرآن؛ وهو الذي دعا كُلًّا من علماء اسطنبول وحمَلةِ العلوم الحديثة فيها لمناظرته، وذلك قبل إعلان الحرية بستة أشهر، وأجاب على أسئلتهم إجاباتٍ سديدةً وافيةً دون أن يراجع أو يسأل أحدًا؛ [يقول «سعيدٌ الجديد»: أنا لا أشارك «سعيدًا القديم» في هذا الكلام الذي يقوله في هذا المقام بافتخار، لكن بما أنني أعطيته حقَّ الكلام في هذه الرسالة، فلا أملِك أن أُسكِته، وإنما ألتزم الصمت ليُظهِر شيئًا من الأنانية أمام الأنانيين المغرورين؛ سعيد] وهو الذي وقف كلَّ حياته لسعادة أبناء هذا الوطن، فنشر بلغتهم التركية ما ينوفُ على مئةِ رسالةٍ نوَّرهم وثقَّفَهم بها، وكان لهم صديقًا ونصيرًا وأخًا في الدين والوطن؛ إلا أنه برغم هذا كلِّه لقي الأذى والعداوة والاستخفاف أكثرَ ما لقي من قِبَل بعضِ المنسوبين للمؤسسات العلمية وثُلةٍ من رجال الدين الرسميين!! فتأمل في هذه الحال.. ماذا تقول فيها؟!

أهي مدنيةٌ وتحضُّر؟! أم هي شغفٌ بالعلم والمعرفة؟! أم هي من مظاهر الوطنية؟! أم هي ولاءٌ للقومية أم للجمهورية؟!!

حاشا وكلا، ليستْ شيئًا من هذا على الإطلاق؛ وإنما هو قدرٌ إلهيٌّ أظهرَ لهذا الرجل العداوةَ من أهل العلمِ بينما كان يتوقع منهم الصداقة، لكيلا يُداخِل علمَه الرياءُ إنْ أَمَّل منهم الاحترام، وليفوز بالإخلاص.

 ***