238

الخاتمة
اعتداءٌ يثير حيرتي ويدفعني للشكر

إن أهل الدنيا الذين لهم أنانيةٌ مُفرِطة، لهم في الوقت نفسِه حساسيةٌ فائقةٌ في التنبُّه لها واستشعارها لدى الآخرين، بحيث لو وقع ذلك باختيارهم لعُدَّ من قبيل الكرامة أو العبقرية؛ وذلك أنهم من خلال ميزان أنانيَّتهم الحسَّاس يستشعرون ما عندي من أنانيةٍ يسيرةٍ ممزوجةٍ بالرياء لا تشعر بها نفسي ولا عقلي، فيجابهونها بشدة.

ولديَّ في هذا الأمر نحوُ تسع تجارب خلال هذه السنوات الثماني أو التسع، حتى إنني كنتُ إثرَ كلِّ معاملةٍ جائرةٍ يعاملونني بها أفكر في القدَر الإلهي فأقول: لماذا سَلَّط القدرُ الإلهيُّ هؤلاء علي؟ وأبحث بهذا السؤال عن مكائد نفسي؛ فكنتُ في كلِّ مرةٍ ألاحظ أن نفسي قد مالتْ فطريًّا إلى الأنانية بغير شعور، أو أنها غرَّتني على علم، فأقـول حينـذاك: لقـد أجـرى القـدر الإلهي عدالتَه عليَّ مـن خـلال ظلمِ أولئك الظَّلَمة.

فمن ذلك أن أصحابي أركبوني في هذا الصيف فرسًا جميلًا، فذهبتُ به إلى متنزَّه، وما أنِ استيقظتْ في نفسي رغبةٌ نحو مباهجَ مَشُوْبةٍ بالمراءاة دون شعورٍ مني، حتى تصدى لها أهل الدنيا بشدةٍ بحيث لم يقطعوا دابرها فحسب، بل قطعوا دابرَ كثيرٍ من الرغبات الأخرى.

وحصل ذات مرةٍ بعد شهر رمضان المبارك، وإثرَ عنايةٍ نالتْنا بكرامةٍ غيبيةٍ لأحدِ الأئمةِ السابقين الأجِلّاء العِظام، وفي جوٍّ من إخلاصِ إخواني وتقواهم واحترامِ الزائرين وحسن ظنهم، حصل أنْ طلبتْ نفسي بفخرٍ أن تتقلَّد حالةَ أنانيةٍ يخالطها الرياء، طلبتْ ذلك بذريعةِ الشكر دون أن أشعر؛ فتعرَّض لي على الفور أهلُ الدنيا بحساسيةٍ فائقة، وبأسلوبٍ يمكنه استشعارُ أدقِّ ذراتِ الرياء.

فالشكر لله سبحانه إذ غدا ظلمُ هؤلاء وسيلةً للإخلاص.

﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون:97-98]

اللهم يا حافظ يا حفيظ، يا خير الحافظين، احفظني واحفظ رفقائي من شرِّ النفس والشيطان، ومن شرِّ الجن والإنسان، ومن شرِّ أهل الضلالة وأهل الطغيان

آمين.. آمين.. آمين

﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة:32]

***