246
الحقائق العالية والجواهر الغالية لشخصٍ مفلسٍ مثلي، عاجزٍ عن إظهار واحدٍ بالألف من تلك المزايا؛ فإني مضطرٌ لبيان أن الرسائل ليست بضاعتي، بل هي بضاعةُ القرآن، ومَظهرُ رشحاتِ مزاياه.
أجل، إن خواصَّ عناقيد العنب اللذيذ لا تُتحرَّى في أغصانه اليابسة؛ وإنني بحكم غصنٍ يابس.
السبب الرابع:
قد يستلزم التواضعُ كفرانَ النعمة، بل ربما كان عينَ كفران النعمة؛ وكذلك قد يكون التحدث بالنعمة افتخارًا؛ وكِلا الأمرَين ضرر، والسبيل الوحيد للنجاة منهما هو: الإقرار بالمزايا والكمالات دون ادِّعاء تملُّكها، أي إظهارُها على أنها آثارُ إنعامِ المنعِمِ الحقيقي.
ومثال ذلك لو ألبسك أحدُهم ثيابًا فاخرةً جميلة، فصِرتَ بها على قدرٍ عظيمٍ من الأناقة والجمال، وأخذ الناس يقولون لك: ما شاء الله.. ما أجملك.. وما أجمل هيئتَك!! فإنك إنْ قلتَ لهم متواضعًا: حاشا.. مَن أنا؟! أنا لا شيء.. ما هذا؟! أين الجمال؟! كان هذا كفرانًا بالنعمة، وسوءَ أدبٍ تجـاه الصانع الماهـر الذي ألبسك هـذه الثياب.
وإن قلت مفتخرًا: نعم.. أنا فائق الجمال، ومن مثلي في الجمال؟! أروني أحدًا مثلي!! كان هذا فخرًا وغرورًا.
وسبيل الخلاص من كفران النعمة ومن الافتخار أن تقول: نعم.. لقد صرتُ جميلًا حقًّا، لكنه ليس جمالي، بل هو جمالُ الثياب، وهو بالتالي جمالُ مَن ألبسنيها.
وإنني أقول مناديًا العالَم لو يَبلغُه صوتي: إن «الكلمات» جميلة.. وإنها حقائق.. لكنها ليست لي.. بل هي شعاعاتٌ سطعَتْ من حقائقِ القرآن الكريم؛ وإنني استنادًا إلى الدستور القائل: