197

جرى نفي بديع الزمان إلى «بارلا» سنةَ 1926م، وكانت تلك أولى سنواتِ حقبةِ الاستبداد المطلق الذي عانتْه تركيا مدةَ ربع قرن، وفي تلك الحقبة كانت المنظمات السِّرِّية اللادينية قد وضعتْ خُطةً ترمي للقضاء على روح الإسلام، وكان مِن ضمنها إلغاءُ شعائره واحدةً تلو الأخرى ومحوُها، وتجميعُ المصاحف وإتلافُها؛ إلا أن القوم لما لاحظوا أن هذه الإجراءات لن تُكلَّل بالنجاح، قرروا الانتقال إلى خُطةٍ أخرى تقضي بأن تتولى الأجيال القادمة بعد ثلاثين سنةً مهمة القضاء على القرآن بنفسِها، ووضعوا هذه الخُطة الشيطانيَّة الخبيثة موضع التنفيذ، فعمَّتِ البلادَ إجراءاتٌ لم يُرَ مثلُها في التاريخ في تعدِّيها على مقدسات الإسلام وتقويض أركانه.

أجل، لقد اجتهدوا ونجحوا فعلًا في قطع كلِّ ما يربط أبناء تركيا وشعبَها بالإسلام، وبذلوا كلَّ ما بوسعهم ليُبعدوا هذا الشعب المسلم عن إسلامه ويَحرِموه منه، وهو الشعب الذي رفع آباؤه وأجداده رايةَ القرآن وتحدَّوا بها الدنيا ستمئة عام، بل ألفَ عامٍ منذ زمن العباسيِّين.

ولم يكن هذا إجراءً جزئيًّا محدودًا، بل كان عمليةً كليةً واسعةً شاملة، عمَّتْ ويلاتُها إيمانَ ملايين الناس الأبرياء وعقيدتَهم خصوصًا الشباب والطلاب، لتفضي إلى هلاكهم الدنيوي والأخروي؛ واستهدفتِ الحياةَ الأبدية لأبناء الأناضول وأجيالهم إلى يوم الدين.

لقد اجتهدوا في تلك الحقبة المُظلِمة في طمسِ معالِم الإسلام والقرآن ومحوِهما من حياةِ أمةٍ بطلةٍ تبوأتْ أسمى منزلةٍ برفعِها رايةَ القرآن على مدى ألف عام بشهادةِ ماضيها المشرق، وسعَوا دائبين لتخريجِ أجيالٍ جديدةٍ وحملةِ شهاداتٍ مقطوعي الصلة بماضيهم، لا يدرون شيئًا عن أجدادهم العظماء، ولا يذكرون شيئًا من تاريخهم الوضَّاء الحافل بالجهاد على مدى عشرة قرون، وعملوا على خداعهم والتلبيس عليهم بكلامٍ