198

مُنمَّقٍ مبهرَجٍ، كالحديث عن مواكبة المدنية المعاصرة، ليهيئوا الأرضية المناسبة للنظام الشيوعي.

وأُقصِيَتْ حقائقُ الإسلام بكلِّ ما انطوتْ عليه من ركائز المدنية وأُسس الرقي المادي والمعنوي، لتَحُلَّ محلَّها فلسفةٌ لادينيةٌ آسِنة، فيها ما فيها من المبادئ المُظلِمة، والآداب المتحلِّلة، وأفكارِ الفلاسفة وإيديولوجياتهم المضلِّلة، يُلقِّنها ويَنشرها على أوسع نطاقٍ عملاءُ الشيوعية والماسونية والإلحاد.

وكان لأعداء الإسلام -خصوصًا الإنكليز والفرنسيين- مخططاتٌ تهدُف لتقسيم العالم الإسلامي وشرذمتِه ماديًّا ومعنويًّا ليسهُل عليهم نهب خيراته، وفي مقدمتها قطْعُ صِلات الشعب التركي البطل بعاداته وتقاليده وقِيَمِه الإسلامية لينقلبَ إلى ضدها تمامًا، وقد شهدتْ تلك الحقبة للأسف وضْعَ تلك المخططات موضع التنفيذ.

إذًا تزامنت المرحلة التي أَطلق فيها بديع الزمان خدمةَ الإسلام والقرآن في الأناضول عبر رسائل النور، وتجرَّد لها فدائيًّا من فدائيي الإسلام الأبطال يَذودُ عنها ويفديها بروحه، تزامنتْ مع انطلاق مرحلةٍ لادينيةٍ رهيبةٍ لم يُرَ مثلُها على وجه الأرض، ولهذا فإن المتأمل للخدمة التي نَهَض بها بديعُ الزمان في ذلك الحين عبر رسائل النور، لا بدَّ أن يضع نُصبَ عينيه أوضاعَ ذلك الزمان العصيب، ففي مثل تلك الظروف الصعبة غير المسبوقة يمكن لمقدارِ ذرةٍ من خدمةٍ أن ينال قيمةً عظيمةً كالجبل، ويمكن لخدمةٍ بسيطةٍ أن تؤتي نتيجةً عظمى وتحظى بقيمةٍ كبرى.

وعلى هذا، فرسائلُ النور نتيجةٌ لتلك الحقبة الخطيرة المروِّعة وحصيلةٌ لها، ومؤلِّفها أعظمُ بطلٍ عرفتْه ميادين الجهاد في زمنٍ عصيبٍ دأبَ رجال الحكم فيه على هدم الدين طَوالَ خمسٍ وعشرين سنة، وسيظلُّ -إلى أن يرثَ الله الأرضَ ومَن عليها- مرشدًا كاملًا يدعو الأمة المحمدية إلى دار السلام، ويبيِّن للبشرية الطريق؛ أما رسائل النور فسيفٌ ألماسيٌّ من سيوف القرآن، برهَنَ عليه الواقعُ والزمان، وشهِدتْ به الأحداث الظاهرةُ للعِيان.