200

ستتردَّد كلماتُها على أسماعِ العالَم كله بإذن الله، حين يأتي زمانٌ تُدرَّس فيه رسائل النور وتُبَثُّ عبر المذياع في أرجاء المعمورة. [كان المذياع أقوى وسيلة إعلامٍ في ذلك الحين؛ هـ ت]

نعم، لقد أشرقتْ شمسًا من تركيا على ساحات العلم والعرفان في الدنيا، وهي إشراقةٌ من إشراقات تلك الشمس المعنويَّة التي بزغَتْ على عالَم البشريَّة قبل ألفٍ وثلاثمئةِ سنة، ولمعةٌ من لمعاتِها الساطعة في كلِّ عصر، ومعجزةٌ من معجزاتها المعنويَّة المنتظرَة في الأزمان اللاحقة، ولقد تركتْ أثرَها البارز ليس على الصعيد المعنوي فحسب، بل على الصعيد المادي المحسوس كذلك.

أجل، فلرسائل النور تأثيرٌ يفوق تأثير الأسلحة والقنابل الذرية التي تعتمد عليها الدول والشعوب للدفاع عن نفسها والحفاظ على وجودها، ومن يتأمَّل -ولو يسيرًا- بعين العلم والبصيرة في رسائل النور، وفي الخدمة التي أداها بديع الزمان طَوالَ ثلاثين عامًا في الأناضول من خلال الرسائل، يجد ذلك التأثير فعلًا ويدركه ويصدِّقه؛ وإن النتائج المترتبة على الخدمة التي أدتها الرسائل منذ ظهورها حتى اليوم هي من العظمة والروعة بحيث تستحق تبريكًا وتقديرًا لا يتناهى من الراسخين في مسلك الحقيقة، فلقد كان لها الفضل في تقوية الإيمان في هذا الوطن بما نشَرتْ من الإيمان التحقيقي، وكان لها منهجُها في مقارعة الكفر والإلحاد والضلالة والرذيلة في هذه البلاد، إذْ تصدَّتْ لها بأسلوبِ عملٍ إيجابيٍّ بنَّاء، يتأسى بنهجِ الأنبياء، إلى أن كُتِب لها النصر في هذا الجهاد الديني المعنوي العظيم.

أما هذه الثُّلَّة المجاهدة من طلبة رسائل النور فقد كان بين أفرادها من عظيم الاتحاد والولاء ما نشأ عنه سرٌّ جليلٌ مقبولٌ صار وسيلةً لاستجلاب العناية والرحمة الإلهيتَين؛ إنها ثُلَّةٌ مجاهدةٌ مخلصةٌ أشبه ما تكون ببذرةٍ صغيرةٍ تفتحت في مكانٍ ضيق، فانبثقتْ عنها شجرةُ طوبى عظيمة تنشُر أغصانها على شتى أنحاء العالَم.