201

ترشَّحتْ رسائل النور من مَعين القرآن في القرن الهجري الرابع عشر، وانطلقتْ من الأناضول وأخذتْ تنتشر، وما تزال رقعة انتشارها تتسع باطرادٍ في العالَم الإسلامي والعالَم عامةً؛ فلقد حظيتْ بالتوفيق نتيجةَ إخلاصها الفريد واتخاذِها خدمةَ الإيمان والتوحيد الخالص مسلكًا أساسيًّا لها، وصارتْ نورَ حقيقةٍ يعمُّ كلَّ مكان بما تضمنتْه من حقائق الإيمان والقرآن، فأقامتْها الرحمة الإلهية سدًّا قرآنيًّا ونورًا إيمانيًّا يحفظ الأمة الإسلامية من المهالك والمصائب المادية والمعنوية.

لقد سلكتْ في تصدِّيها لمعارضي القرآن والإيمان طريقَ الحجة والإقناع، لا طريق الإكراه والنزاع، فأماطت اللثام عن وجه الحقيقة المشرق، وأثبتت للعالَم في شتى ميادين الفكر والفلسفة أحقِّيَّةَ دين الإسلام، وإعجازَ القرآن الذي هو شمسُ الهداية لعالَم الإنسان، وبرهنتْ على ذلك بحججٍ ناصعةٍ ودلائل قاطعة، وأقامت البراهين المنطقية على أن الدين والنبوَّة هما مَن أرسى أسسَ الكمال والرقيِّ والمدنية على وجه الأرض، وأنَّ خلاص البشريَّة من غياهب الجهل الحالكة إنما تمَّ بظهور الإسلام خاصَّةً، وتحت رئاسة العالم الإسلامي، وهو ما سيكون في المستقبل بإذن الله.

أما الأسس التي وضعها البشر كالفضيلة والمصالح العامة التي تُشاهَد في الحكمة والفلسفة، فما هي إلا انعاكساتٌ من شمس النبوة التي أشرقت على عالَم الإنسان، فسطعتْ أنوارها وتلألأتْ لمعاتُها في أفكار البشر وقلوبهم، تمامًا كما تطلعُ الشمس فتجلو بأشعتها ظلمات الليل؛ فما هذا الضياء الذي يتراءى من الحكمة والفلسفة الحقَّة والعلوم والفنون إلا انعكاسًا وجَلوةً من جَلوات شمس القرآن وقنديل النبوة اللذين أنارا عالَم البشرية.

فيا أيها العالم الإسلامي أفِقْ، وبالقرآن استمسكْ، وإلى الإسلام توجَّه بكل كيانك.. ويا أحفاد الرجال الأماجد الذين يَشهَد لهم التاريخ بأنهم خدموا القرآن ألف عام، ونشروا على وجه البسيطة نور الإسلام: جِدُّوا واجتهِدوا في أن تُيمِّموا وجوهَكم