204

المراقبة الدائمة، يقاسي ظلمًا يضاهي ظلم الطواغيت والجبابرة في كلِّ عصر؛ وقد دامتْ هذه الحال خمسًا وعشرين سنة، كان العالم الإسلامي في أثنائها يرزح في فقرٍ مدقعٍ تحت نِير الاحتلال الأجنبي، بينما انطلقت المنظمات السرية التي ترعى الفساد والإلحاد تمارس أنشطتها الرهيبة في تركيا والعالم الإسلامي متلقيةً الدعم من حلفائها، وقد تواطأ الجميع على محاربة الإسلام.

ومن هنا، فكما كانت معركتا بدرٍ وأُحُدٍ باكورة الفتوحات في العالَم الإسلامي، فإن لرسائل النور أهميةً من ذلك النوع أيضًا، إذ كانت وسيلةً لخدمةٍ إيمانيةٍ وجهادٍ دينيٍّ معنويٍّ لا مثيل لعظمته في التاريخ منذ عصر السعادة النبوي؛ فعلى الرغم من أن بديع الزمان كان في «بارلا» أشبه بأسيرٍ مكبَّل اليدين، إلا أنه بتأليفه ونشرِه رسائلَ النور في ذلك المنفى النائي صار كأنما وقف خطيبًا بليغًا في مسجد الأناضول ومسجد العالَم الإسلامي، يلقي على أهل الإيمان الدروسَ التي تلقَّاها من القرآن.. كان كأنما يقف على قمة منارةِ القرن الرابع عشر الهجري والقرن العشرين الميلادي، يخطب بمعاصريه من أهل الإسلام وبني الإنسان، ويخاطب أجيال المستقبل المصطفَّةَ خلف هذا العصر في صفوف المستقبل [إن أكثر الناس شوقًا لرسائل النور هم الشباب والأطفال الأبرياء، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى، إلا أننا نكتفي منها بمثالٍ واحد، فقد كان بديع الزمان ذات يومٍ مارًّا ببلدة «بولفادين»، فما أن رآه طلابٌ من المرحلتين الابتدائية والإعدادية حتى تقاطروا من مدارسهم نحوَه، وتجمهروا حول السيارة التي كانت تُقِلُّه مسلِّمين عليه، معبِّرين عن امتنانهم وتقديرهم له كأنما يقولون بلسان الحال: أهلًا وسهلًا بكم.

      وكنا سألْنا الأستاذ عن هذا حين شاهدْنا الأطفال في طرقات قرى «أميرداغ» يتراكضون نحوَه من بعيدٍ، غيرَ آبهين بالشوك الذي يحفُّ طريقَهم، وهم يهتفون ببراءةٍ: جدُّنا بديع الزمان.. جدُّنا بديع الزمان!!

      فأجابنا: «إن أرواح هؤلاء الأبرياء وقلوبَهم قد شعرَتْ على سبيل الحسِّ قبل الوقوع -وإن لم تُدرِك عقولُهم- حقيقةَ أن رسائل النور ستنقذ إيمانهم، وستحفظهم وتحفظ بلادَهم ومستقبَلهم من المخاطر المروعة، فهم يعبِّرون عن شكرهم وامتنانهم ومحبتهم لها، ويوجهونَه إليَّ باعتباري ترجمانها»، وقال إنه يدعو لهم.                                                                                                                                      

      وكان الأستاذ يحب الأطفال كثيرًا، فكانوا إذا تجمهروا حوله قال لهم ملاطفًا: «ادعوا لي، فأنتم أبرياء مجابو الدعوة»؛ المُعِدّون] ويكلِّمها كمرشدٍ جليل ومجدِّدٍ كبير.