221

وفهمتُ سِرَّ الحديث الشريف: «طوبى للغرباء»، [أخرجه مسلمٌ برقم 145، والترمذي برقم 2629، وابن ماجه برقم 3986، والحديث بتمامه: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء»؛ هـ ت] وشَكَرْت.

فيا إخوتي.. إن هذه الغُربات المظلِمة وإن تنوَّرتْ بنور الإيمان، إلا أنها أجرتْ عليَّ أحكامَها بدرجةٍ ما، وأوحت لي بهذه الفكرة:

ما دمتُ غريبًا، وأعيش في الغربة، وراحلًا إلى الغربة، فهل انتهتْ مهمتي في هذا النُّزُل المؤقت كي أوكِّلكم وأوكِّل «الكلمات» وأقطع علاقتي بالدنيا تمامًا؟

هكذا خطرت الفكرة ببالي، ولهذا سألتكم هذه الأسئلة فأقلَقتُكم: هل «الكلمات» المؤلَّفة كافية؟ وهل فيها نقص؟ أي: هل انتهت مهمتي كي أنسى الدنيا وأُلقي بنفسي مطمئنَّ القلب في أحضان غربةٍ نورانيةٍ عُلويَّةٍ حقيقيةٍ لذيذة، وأقولَ كما قال مولانا جلال الدين:

دانى سماعِ چه بُوَدْبي خُوْد شُدَنْ زِهَستِى

أَنْدَرْ فناىِ مطلق ذَوقِ بقا چَشِيدَن

[المعنى: أتدري ما الوجد؟ إنه أن تفنى عن الوجود.. إذْ لا يُذاق البقاء إلا في مُطلَق الفناء؛ هـ ت]

وهل لي أن أبحث عن غربةٍ عُلْوِيَّةٍ سامية؟

الباقي هو الباقي

سعيد النُّورْسِيّ

***