224

سؤالكم الثاني: لِمَ لا تراجع الجهات المسؤولة للحصول على الوثيقة؟

الجواب: إنني في هذه المسألة محكومٌ للقدر الإلهي لا لأهل الدنيا؛ فإيَّاه أراجع، ومتى ما أذِنَ وقَطَع رزقي من هنا رحلتُ.

وحقيقةُ هذا المعنى أن لكلِّ مصيبةٍ تنزل بالإنسان سبَبَيْن؛ أحدهما ظاهري، والآخر حقيقي.

فأهل الدنيا كانوا سببًا ظاهريًّا إذْ أتَوا بي إلى هنا، بينما القدر الإلهي هو السبب الحقيقي، وهو الذي حكم عليَّ بهذه العزلة؛ فأما السبب الظاهري فقد ظَلَمَ، وأما السبب الحقيقي فقد عَدَل.

فالسبب الظاهري فكَّر قائلًا: «إن هذا الرجل يخدم العلم والدين بشكلٍ زائد، وربما تدخل في شؤون دنيانا»، فنفاني بناءً على هذا الاحتمال، وظلمني ظلمًا مضاعفًا ثلاثة أضعاف؛ وأما القدر الإلهي فرأى أنني لا أخدم الدين والعلم بحقٍّ وإخلاص، فحكم عليَّ بهذا النفي، وحوَّل ظلمهم المضاعَف إلى رحمةٍ مضاعفة.

فما دام القدر هو الحاكمَ في نفيي -والقدر عادل- فإيَّاه أراجع؛ أما السبب الظاهري فإنما هو أمورٌ من قبيل المزاعم والذرائع، وإذًا فلا معنى لمراجعتهم، فلو كان لهم حقٌّ أو كانت لديهم أسبابٌ قوية لأَمكنَ حينئذٍ أن يُراجَعوا.

لقد تركتُ دنياهم كلَّها، تَبًّا لهم، وتركتُ سياستَهم كلَّها، تَعْسًا لهم، وإن ما يخالجهم من هواجس وأوهام لا أصل له على الإطلاق، فلا أريد أن أضفي على أوهامهم صفةَ الحقيقة بمراجعتهم؛ ولو كانت لديَّ رغبةٌ في التدخُّل بسياستهم الدنيوية التي يُمسك بزمامها الأجانب لتبدَّتْ وظَهَرَتْ لا في ثماني سنوات، بل في ثماني ساعات، لكنني منذ ثماني سنين ما قرأتُ جريدةً واحدةً ولا رغبتُ في مطالعتها، وأنا تحت المراقبة منذ أربع سنين، ما بدَرَتْ مني بادرةٌ لتعاطي السياسة، وهذا يعني أن لخدمةِ القرآن من السمو والعلو ما يجعلها تترفع عن جميع السياسات الدنيوية التي أغلبها كذبٌ محض.