207

كان لا بد من نشر رسائل النور بالحروف العربية، إذْ هي التي اضطلعت بمهمةِ خدمةِ القرآن الكريم والحفاظ على رسمه؛ [في ذلك الحين بدأتْ طباعة المصحف الشريف بالحروف اللاتينية بدلًا من حروفه العربية؛ هـ ت] وكانت الكتابة بالحروف العربية في تلك المرحلة قد مُنِعت وأغلِقت مطابعها، وكان بديع الزمان فقيرًا لا يملك من متاع الدنيا شيئًا، وكان كُتَّاب الرسائل ونُسَّاخُها لا يكادون يؤمِّنون احتياجاتِهم الضروريَّة، بل كانوا يتعرَّضون -فضلًا عن ذلك- للاعتقال والأذى والاضطهاد، وفي المقابل كانت إجراءات الحكومة المشددةُ وحملتُها الإعلاميَّة المغرِضة ضدَّ بديع الزَّمان تنشرُ الرهبة في كلِّ مكان، وتجعل الناس أسرى المخاوف والأوهام، فيُحجِمون حتى عن الاقتراب من الأستاذ وتَلقِّي دروسِ الدينِ والإيمان منه.

وفي ذلك الحين كان إعدامُ علماء الدين وعُشَّاقِ الحقيقة، وتعليقُهم على أعواد المشانق لمجرَّد إخلاصهم لدينهم، قد نَشَر كثيرًا من أجواء الخوف والاستكانة؛ بينما فَرَض الاستبداد المطلق والظلم الشديد سياسةَ تكميم أفواه أهل الدِّين، فمُنِعَت جميع الدروس التي تبيِّن حقيقةَ الإسلام وأصولَه منعًا باتًّا، ولم يُسْمَح بنشر رسالةٍ حقيقيَّةٍ واحدةٍ تتحدث عن حقائق الدين، وحُرِم الشعب من دروس تلك الحقائق؛ وجرى السعي حثيثًا لتحويل الإسلام إلى جسدٍ بلا روح. [جميعُ أولئك الملحدين واللادينيين الذين كانوا يقومون بتلك الإجراءات المعادية للدين، لا يتقبَّلون هذه الصحوة الدينيَّة اليوم «أي في حقبة حكم الحزب الديمقراطي في الخمسينات»؛ المُعِدّون]

وهكذا انطلقت هجمةُ الحرب على الدين في تلك المرحلة طاغيةً شرِسةً، يرافقها استبدادٌ جائرٌ يدأب في تكبيلِ حياةِ أهل الإيمان وتقييدها ماديًّا ومعنويًّا، وجاء نشرُ رسائل النور فصدَّ تلك الهجمة، وحطَّم تلك القيود لا سيما المعنويَّةَ منها؛ لقد قصمت رسائل النُّور ظهرَ الإلحاد واللادينية وقوَّضتْ أركانهما.

أجل، لمعت رسائل النُّور كالبرق بين ظلمات الكفر، وانتشرت تخترق الحُجُب نورًا