209

نُشِرتْ رسائل النور في أول الأمر نَسْخًا بخط اليد، وفي تلك المرحلة كان الآلاف من طلاب النور في «إسبارطة» وما حولَها يقومون بهذه المهمة بدأبٍ ونشاطٍ، رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، حتى لقد وُجد في ذلك الحين مَن عكف في بيته على نَسْخِها ونشرها دون أن يغادره طَوالَ سبعِ أو ثمانِ سنين؛ بينما كان في قرية «صاو» التي غدتْ مدرسةً من مدارس النور ألفُ قلمٍ لا يَكِلُّ عن الكتابة والنشر.

وبعد عشرين سنةً من تأليفها بدأ نشرها بواسطة آلة النسخ، ثم صارت تُطبَع في المطابع بعد ذلك بعشر سنين، وسيأتي زمانٌ بإذن الله تُكتَب فيه بماء الذَّهب، وتُقرأ في الإذاعات بمختلف الألسنة، فيغدو وجه الأرض مدرسةً نوريَّةً كبرى.

***

وكان للنساء الفاضلات المباركات جهودهن وتضحياتهن الجليلة في نشر الرسائل وخدمتها، حتى كان منهن مَنْ جاءت إلى الأستاذ وقالت: «سيدي.. سأكفي زوجي القيامَ بالأعمال الدنيوية، ليتفرَّغ لخدمتك وخدمة رسائل النور»، وقامت تلك البطلات بأعباء أزواجهن لكيلا ينشغلوا عن هذه المهمة.

وكان منهن من حملْن المصابيح في الليالي إلى جانب أزواجهن الذين كانوا ينسخون الرسائل سرًا، فشاركْنَهم في خدمة الدين والإيمان بكل ما في وُسْعِهن؛ ومنهن سيداتٌ وفتياتٌ نسخنَ الرسائل بأيديهنَّ، وسكبْن لها نورَ عيونهن، فخدَمْنَ الإيمان كاتباتٍ مبارَكات.

وبرزَ من طالبات النور نساءٌ عظيماتٌ، أقبلْنَ على قراءتها بلهفةٍ تُوصِلهنَّ بنور الإيمان إلى حُسنِ الخاتمة عند انتهاء الأجل، وقرأْنها على أخواتهنَّ في الدِّين وعرَّفنَهن بها، وقدَّمْنَ خِدماتٍ عظيمةً بنشرِها بين النساء، وكنَّ وسيلةً لتنويرهنَّ بأنوار القرآن والإيمان، وترقَّيْن في مراتب الإيمان بقراءة الرسائل وإقرائها حتى كأنما بلغْنَ مقام الإرشاد.