261

النكتة الثالثة:

نشير إلى سِرٍّ دقيق من أسرار الربوبية والرحمانية بمناسبةِ الإشارة الخاصة والإشارة العامة.
إن لأحد إخواني قولًا جميلًا سأجعله موضوعَ هذه المسألة، وهو أنني عرضتُ عليه ذات يومٍ توافقًا جميلًا فقال: إنه جميل، بل كلُّ الحقائق جميلة، غير أن التوافقات والتوفيقات التي في هذه «الكلمات» أجمل.
فقلت: نعم، كلُّ شيء جميلٌ إما في الحقيقة، وإما بالذات، وإما باعتبار نتائجه، وهذا الجمال عائدٌ إلى الربوبية العامة والرحمة الشاملة والتجلي العام؛ والإشارةُ الغيبية في هذا التوفيق أجمل كما قلتَ، لأن جمالها عائدٌ إلى الرحمة الخاصة والربوبية الخاصة والتجلِّي الخاص؛ ونقرِّب هذا إلى الفهم بتمثيلٍ فنقول:
إن للسلطان رحمةً سلطانيةً تشمل جميعَ أفراد الرعية من خلال قانونه وسَلطنته العامة، بحيث يكون كلُّ فردٍ محلًّا للطفه ومَظهَرًا لسَلطنته بشكلٍ مباشر، ويكون لكلِّ فردٍ في هذه الصورة العامة علاقةٌ خاصةٌ بالسلطان.
لكنْ من جهةٍ ثانيةٍ، فإن للسلطان إحساناتٍ وأوامرَ خاصةً فوق القوانين العامة، إذْ يُحسِن إلى فردٍ من أفراد رعيته أو يُوْليه عنايةً أو يُبلِّغه أمرًا.
وعلى غرار هذا المثال، فإن لكلِّ شيءٍ نصيبَه من الربوبية العامة والرحمة الشاملة لواجب الوجود الخالقِ الحكيمِ الرحيم، وله علاقةٌ به سبحانه على قدر نصيبه من الربوبية والرحمة؛ وإن له سبحانه تصرفًا في كل شيءٍ بقدرته وإرادته وعلمه المحيط، وله تدخُّلٌ وربوبيةٌ في أدنى شؤون الأشياء، فإليه سبحانه تَحتاج جميع الأشياء في جميع شؤونها، وبعلمه وحكمته سبحانه تُقضى أمورها وتُنظَّم أعمالُها؛ وليس للطبيعة أن تَعزُب عن دائرة تصرُّف ربوبيته، أو تتدخَّلَ فتكون صاحبةَ التأثير، وليس للمصادفة أن تتدخَّل في شؤونه الموزونة بميزان الحكمة الحسَّاس.