443

العالي، يُثبِتون المسائلَ الإيمانية المُثْبَتة، [أي الوجودية التي جوهرُها الإثبات والإقرار بالوجود، بخلاف الكفر، فإن جوهره النفي والإنكار، للمزيد تُراجع مقدمة «الآية الكبرى»؛ هـ ت] ويبرهنون عليها بتدقيقاتهم العميقةِ التي لا تدَعُ مقدارَ ذرةٍ من شبهة، وفي مقدمة هذه المسائل: وجوبُ الوجود والوَحدة.

أجل، إن اتفاق هؤلاء في الأصول والأركان الإيمانية بالرغم من اختلاف استعداداتهم ومسالكهم، واستنادَ كلِّ واحدٍ منهم إلى براهينه القوية اليقينية لَحُجَّةٌ عظيمةٌ لا يمكن معارضتها إلا ممن عساه -إن وُجِد- أن يكون له مثلُ مجموع ذكائهم ودِرَايتهم، وبرهانٌ يضاهي عموم براهينهم؛ وإلا فليس بمقدور المنكِرين أن يواجِهوا بشيءٍ سوى الجهالة والأجهليَّة والإنكار في صورة العِناد والمكابرة في المسائل المنفيَّة التي لا يمكن إثباتها، ومن يُغمِض عينيه يجعل لنفسه النهارَ ليلًا فحسْب.

وعَلِمَ هذا السَّيَّاح أن الأنوار التي نشرها أساتذةُ هذه المدرسة الواسعة المهيبة وعلماؤها الأجلَّاء المتبحِّرون، قد أضاءتْ شطرَ المعمورة منذُ أكثر من ألف سنة، ووجدَ في نفسه من القوَّة المعنوية ما لو اجتمع عليه أهلُ الإنكار طُرًّا ما استطاعوا أن يُضِلُّوه أو يُزحزِحوه ولو مقدارَ شعرة.

وهكذا أشارت المرتبةُ التاسعةُ من المقام الأول بإيجازٍ إلى الدرس الذي تلقَّاه المسافر من هذه المدرسة، فذُكِر فيها:

لا إله إلا الله الذي دلَّ على وجوبِ وجوده في وحدته اتفاقُ جميع الأصفياء بقوَّةِ براهينهم الظاهرةِ المحقَّقة المتَّفِقة.

ثم إن هذا المسافر المتفكِّر، التَّوَّاق لمعاينةِ الأذواقِ والأنوارِ الكامنةِ في زيادةِ قوة الإيمان، وفي الترقي والسُّموِّ به من درجة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، بينما كان قادمًا من تلك المدرسة، إذْ دعاه الألوف بل الملايين من المرشدين القدسيين الساعين