428

ومَنْ مؤلِّفُ هذا الكتاب الكبير؟ ومَنْ سلطانُ هذه المملكة العظيمة؟ وبينما الضيفُ في حالةٍ من شدةِ الفضول لمعرِفته والتعرُّف عليه، إذْ أطلَّ وجهُ السماواتِ الجميلُ المكتوبُ بزخارفِ النور قائلًا: اُنظُر إليَّ.. سأخبِرك بمن تبحث عنه.

فنظر إليها فرأى تَجلِّيَ ربوبيةٍ ترفعُ مئاتِ آلافِ الأجرامِ السماوية بغير عَمَدٍ فلا تهوي، بعضُها أكبرُ من أرضنا بألفِ مرة، وبعضُ هذه أسرعُ من قذيفة المدفع بسبعين مرة..

وتُسيِّرها جميعًا معًا بسرعةٍ فائقةٍ بلا تصادُم..

وتُسْرِجُ تلك المصابيح اللامحدودة على الدوام من غير وَقودٍ وبلا انطفاء..

وتُدير تلك الكُتَلَ العظيمة المتناهية في الضخامة دون أن يَصدُر عنها ضجيجٌ أو اختلال..

وتُشغِّل تلك المخلوقاتِ الهائلة في وظائف -كوظائف الشمس والقمر- فلا يكون منها أيُّ عصيان..

وتتصرَّفُ بها جميعًا، في الوقت ذاته، بالقوة ذاتها، وبالأسلوب ذاته، وبسِكَّةِ الفطرة ذاتها، وبالصورة ذاتها، عبر فضاءٍ شاسعٍ لا يتناهى ولا تحدُّه أرقامٌ تمتد بين دائرتي القطبين، تصرُّفًا لا يشوبه نقصان..

وتُخْضِعُ تلك الكُتل الهائلة الحاملةَ لقُوًى متجاوزة، فتجعلها مطيعةً لقانونها لا تتعدَّاه..

وتُنظِّف وجهَ السماء فتجعله أجملَ وأسطعَ ما يكون، ولا تسمح لشيءٍ -كمخلَّفات هذا الحشد اللامتناهي- أن يُلوِّثه..

وتَسوقُ تلك الأجرام كأنها جيشٌ منتظمٌ يُجري مناورة؛ وتَعرِضُ -بدوران الأرض- هذه المناورةَ المَهيبة بصورها المختلفة وأشكالها الحقيقية والخيالية، تعرِضها كلَّ ليلةٍ وكلَّ عامٍ أمام أنظار مخلوقاتها المُشاهِدةِ كأنها مَشاهِد سينمائية.