451

ثانيها: أنه كما يجيب دعاء عباده فعلًا، يجيبهم كذلك قولًا من وراء الحُجُب؛ إذْ هو شأنُ الرحيميَّة.

ثالثُها: أنه كما يُلبِّي فعلًا تضرُّعاتِ واستغاثاتِ واستمداداتِ خَلْقِه الذين نزلتْ بهم مصائبُ أليمة وأَلَمَّتْ بهم أحوالٌ شديدة، فإنه يُمِدُّهم كذلك بأقوالٍ إلهاميةٍ هي بمثابةِ نوعِ مكالمة؛ إذْ هو لازمُ الرُّبوبيَّة.

رابعُها: أنه مثلما يُشعِرُ -إشعارًا فعليًّا- بوجوده وحضوره وحمايته ذوي الشعور من مصنوعاته، وهم مع شدَّةِ عجزهم وضعفهم، ومع شدَّةِ فقرهم واحتياجهم في أشد الحاجة والشوق لأنْ يجدوا مالكهم وحاميهم ومدبِّرهم وحافظهم؛ فإنه يُشعِر كذلك -إشعارًا قوليًّا- بوجوده وحضوره بعضًا مُعيَّنًا من خَلْقِه على وجه الخصوص، بهاتفِ قلبِه، وبحسب قابليَّته، ببعض الإلهامات الصادقة التي تُعَدُّ بمثابة نوعِ مكالمةٍ ربَّانيَّة؛ إذْ هو مقتضًى ضروريٌّ واجبٌ من مقتضياتِ رأفةِ الأُلوهيَّة ورحمةِ الربوبيَّة؛ هكذا فَهِمَ السائح.

ثم نظر إلى شهادة الإلهام، فرأى أنه لو كان للشمس -فرضًا- حياةٌ وشعور، وكانت ألوانُ ضيائها السبعةُ سبعَ صفاتٍ لها، لكان لها بهذا الاعتبار نوعُ مكالمةٍ بجَلواتها وأشعتها الموجودةِ في ضيائها؛ وعندئذٍ سيُرى بالمشاهدة وجودُ مثالِها وانعكاسِها في الأشياء الشفَّافة، وأن لها مكالمةً مع كلِّ مرآةٍ ومع كلِّ شيءٍ برَّاقٍ، ومع قِطَعِ الزجاج والقطرات والفقاعات، بل حتى مع الذَّرَّات الشَّفَّافة، وأنها تجيب حاجاتِ هؤلاء كلًّا بحسَب قابليَّته، وأن هؤلاء يشهدون على وجود شمسهم، وأنه في جميع هذا لا يمنعُ فعلٌ فعلًا، ولا تُزاحمُ مكالمةٌ مكالمةً.

وكما كان الأمر في مثالِ مكالمةِ الشمس هنا، فكذلك هو بالنسبة إلى مكالمةِ الشمسِ السرمديِّ سلطانِ الأزل والأبد ذي الجلال، وخالقِ جميع الموجودات ذي الشأن والجمال،