454

مبلِّغًا وتَرجُمانًا لمرسومٍ هو عينُ الحق والحقيقة، لم يمكن أن يقع منه الكذبُ أو يُتَصَوَّر بحقِّه؛ إذْ هو بمثابةِ جنايةٍ على ذلك المرسوم وخيانةٍ لصاحبه.

ثالثُها: أن ذلك السيد الكريم (ص) قد جاء بشريعةٍ، وإسلامٍ، وعبوديَّةٍ، ودعاءٍ، ودعوةٍ، وإيمانٍ، ما وُجِد مثلُها ولا عُرِفَ أكملُ منها مِن قَبْلُ ولا من بعد.

أجل، فلا مثيل لشريعةٍ ظهرتْ من رجلٍ أُمِّيٍّ، فأدارتْ خُمُسَ النوع البشري على مدى أربعة عشر قرنًا بالحقِّ والعدل، بقوانينها الدقيقة التي لا تُحد.

وكذلك الإسلامُ الصادرُ عن أفعال هذا السيد الأُمِّي وأقواله وأحواله؛ فإنه لا مثيل له من قبل ولا من بعد من حيث كونُه الهاديَ والمرجعَ لثلاثمئة مليون إنسانٍ في كل قرن، والمعلِّمَ والمرشدَ لعقولهم، والمنوِّرَ والمصفِّيَ لقلوبهم، والمربِّيَ والمزكِّيَ لنفوسهم، ومدارَ النَّماء ومعدِنَ الترقِّياتِ لأرواحهم.

ولا نظير أيضًا لهذا الشخص الكريم من قَبْلُ ولا من بعد من حيث إمامتُه في جميعِ أنواعِ العبادات في دينه، وكونُه أتقى الناس وأخشاهم لله، ومجاهدتُه المتواصلة الفَذَّة، ومراعاتُه لأدقِّ أسرار العبودية مراعاةً تامةً حتى في أشد الخُطوب، وقيامُه بهذه العبادات مبتدئًا غيرَ مقلِّدٍ أحدًا، وأداؤه لها بتمام معناها، جامعًا بين مبدئها ومنتهاها على الوجهِ الأكمل.

ثم إنه في الجوشن الكبير -الذي هو واحدٌ من آلاف أدعيته ومناجاته- يصف ربَّه وصفًا رفيعَ الدرجة بمعرفةٍ ربانيةٍ عظيمة، بحيثُ لم يستطع أهلُ المعرفة ولا أهل الولاية منذ ذلك الزمان أن يبلغوا مرتبتَه في تلك المعرفة، ولا درجتَه في ذلك الوصف، رغم تلاحق الأفكار، وهو ما يُظهِر أنه لا مثيل له حتى في الدعاء؛ ومن ينظر إلى الموضع الذي بُيِّنَ فيه معنى فقرةٍ قصيرةٍ من فقراتِ الجوشن الكبير التسعةِ والتسعين في مستهلِّ رسالة المناجاة، لن يسعه إلا القول بأنَّ هذا الجوشن لا مثيل له أيضًا.