457

وتفتيشُهم في أفكاره، وتدقيقُهم في شؤونه بكمالِ الرغبة وغايةِ التَّنبُّه ومنتهى الجِدِّية.. أدَّاهم بالاتفاق وبالإجماع إلى تصديقٍ راسخٍ لا يتزعزع، وإيمانٍ قويٍّ لا يتصدَّع، بأن هذا السيد الكريم (ص) هو أصدَقُ مَن في الدنيا وأسماهم وأولاهم بالحق والحقيقة؛ وقد وعى السَّيَّاحُ من هذا دليلًا كالنهار الدالِّ على ضياء الشمس.

ثامنُها: مثلما يدلُّ هذا الكون على مُوجِده ومدبِّره ومرتِّبِه، وعلى كاتبه وصانعه ونقَّاشه الذي يتصرَّف فيه تصويرًا وتقديرًا وتدبيرًا كأنه كتابٌ أو قصرٌ أو مَعرِضٌ أو مُتنزَّه؛ فإنه يقتضي ويتطلب أيضًا وجودَ مرشدٍ عظيم القدر، وكشَّافٍ صادق، وأستاذٍ محقِّقٍ، ومعلِّمٍ صادقٍ؛ يَعرِف ويُعرِّف ما في خِلقته من مقاصدَ إلهية، ويُعلِّم ما في تحوُّلاته من حِكمٍ ربانية، ويُدرِّسُ نتائجَ حركاته الوظيفيَّة، ويُعلِن عن قيمةِ ماهيَّته وعن الكمالات في موجوداته، ويُعبِّر عن معاني هذا الكتاب الكبير.. أجل يقتضي الكونُ وجودَ هذا المرشد المعلِّم ويتطلبه بل يَدُلُّ عليه في كلِّ حال.

ومن هذه الجهة عَرَفَ السَّيَّاحُ أن الكون يشهد كذلك على حَقَّانيَّةِ هذا السيد الذي كان خَيرَ مَن قام بهذه الوظائف، وبأنه لا ريب أسمى وأصدقُ موظَّفٍ لدى خالِق الكون.

تاسعُها: ما دام يوجد مِن وراء الحجاب مَن يريد أن يَعرِض كمالاتِ إتقانه وإبداعه عبر مصنوعاته الحكيمة المتقَنة..

ويريد أن يُعرِّف نفسَه ويُحبِّبها من خلال مخلوقاته الجميلة المزيَّنة اللامتناهية..

ويريد مِن خلال نِعَمِه اللذيذة الثمينة بغيرِ حساب أن يُحمَد ويُشكَر..

ويريد من خلال هذه الإعاشة والتربية العامَّة الشفيقة الحامية، بل حتى من خلال هذه الإطعامات والمآدب الربانية المعروضةِ بصورةٍ تلبي أدقِّ أذواق الأفواه وجميعَ أنواع الاشتهاءات.. يريد أن يُتوجَّه إلى ربوبيَّته بالعبادةِ بشكرٍ وامتنانٍ ووَلَه..