471

هذه بمثابةِ مئةِ ألفِ دليلٍ ومثالٍ وعنوانٍ للحشر الأعظم؛ كما أنها إذْ تَنشُر برامجَ أعمالِ موجوداتِ الربيعِ السابق وصحائفَ وظائفه كالإعلانات، تَعرِض مثالًا لآيةِ: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير:10].

والأمر كذلك من جهةِ هيئةِ المجموع، ففي كلِّ خريفٍ وربيعٍ يُتوفَّى عالَمٌ هائل ويَحدُث عالَمٌ آخرُ جديد؛ وتجري كلٌّ من هذه الوفاة والحدوث على نحوٍ عظيمٍ من الانتظام، وتَقَع فيهما وَفَيَاتٌ وحُدُوثاتٌ لأنواعٍ عظيمةٍ بغاية الميزان والانتظام، حتى لكأنَّ الدنيا نُزُلٌ ضخمٌ تُستضاف فيه الكائناتُ الحية، وتأتيه عوالمُ سَيَّالة ودُنًى سَيَّارة، فتؤدِّي وظائفها فيه ثم تغادره.

وهكذا فوجوبُ وجودِ ذاتٍ ذي جلالٍ يُحْدِث في هذا العالَم كائناتٍ ذاتِ وظائف، ويُوجِد دُنًى ذاتَ حياة، بكمال العلم والحكمة، والميزان والموازنة، والانتظام والنظام، ويستعملها بقدرةٍ ويستخدمها برحمةٍ في مقاصد ربانية، وغاياتٍ إلهية، وخدماتٍ رحمانية؛ وكذا قدرتُه اللامحدودة، وحكمتُه اللامتناهية؛ إنما هي أمورٌ تتجلَّى للعقول بداهةً كالشمس.

ونختم البحث في مسائل الحدوث محيلين إياها إلى رسائل النور وكتبِ مُحقِّقي المتكلِّمين.

أما جهةُ الإمكان فهي الأخرى قد هيمنتْ على الكون وأحاطتْ به.

ذلك أننا نرى كلَّ شيءٍ كُلِّيًّا كان أو جزئيًّا، كبيرًا كان أو صغيرًا، وكلَّ موجودٍ من العرش إلى الفرش، ومن الذرَّات إلى السَّيَّارات؛ إنما يُرسَلُ إلى هذا العالَم بذاتٍ مخصوصة، وصورةٍ معيَّنة، وشخصيةٍ مميَّزة، وصفاتٍ خاصة، وكيفياتٍ ذاتِ حكمة، وأجهزةٍ ذاتِ مصلحة..