472

والحال أن إعطاءَ هذه الذاتِ والماهيةِ المخصوصةِ تلك الخصوصيةَ من بين إمكاناتٍ لا تُحَدّ..

وإلباسَها هذه الصورة المعيَّنة ذات العلاماتِ الفارِقةِ المنقوشةِ المناسِبةِ من بين إمكاناتٍ واحتمالاتٍ بعدد الصور..

وتخصيصَ هذا الموجودِ المتقلِّبِ بين إمكاناتٍ بمقدارِ أشخاصِ بني جنسه بامتيازٍ يليق بشخصيَّته..

وإيداعَ صفاتٍ خاصةٍ نافعةٍ توافقُ ذلك المصنوع الذي لا شكل له، المتردِّدَ بين احتمالاتٍ وإمكاناتٍ بعدد أنواع الصفاتِ ومراتبها..

وتجهيزَ هذا المخلوق المتحيِّر التائه الذي لا يعرف وجهةً بالنظر إلى إمكانِ وجودِه بطُرُقٍ وأشكالٍ لا تُحَدّ، وتزويدَه بتلك الكيفيَّات ذات الحكمة، والأجهزة ذاتِ العناية، من بين إمكاناتٍ واحتمالاتٍ لا تُحَدّ..

ما هي إلا شهاداتٌ ودلالاتٌ وإشاراتٌ بعددِ جميعِ الممكنات كُلِّيِّها وجزئيِّها، وبعددِ إمكاناتِ ماهياتِ كلِّ ممكنٍ وهُويَّاته وهيئاته وصُوَره وصفاته ووضعياته المذكورة؛ تشهد على وجوبِ وجودِ واجبِ وجودٍ يخصِّص ويُرجِّح ويُعيِّن ويُحدِث؛ وعلى قدرته اللامحدودة، وحكمته اللامتناهية، وعلى أنه لا يخفى عليه شأنٌ ولا شيء، ولا يُعجِزه شيء، وأن أعظمَ شيءٍ هيِّنٌ عليه كأصغر شيء، وأن إيجادَ الربيع سهلٌ عليه سهولةَ إيجاد شجرة، وإيجادُ الشجرة سهلٌ عليه سهولةَ إيجاد بِذرة.

وهذه الشهادة الصادرة عن حقيقة الإمكان إنما تُشكِّل أحد جناحَي شهادة الكون العظمى.

وبما أن أجزاء رسائل النور -خصوصًا الكلمتين الثانية والعشرين والثانية والثلاثين، والمكتوبين العشرين والثالث والثلاثين- قد أثبتتْ بالتمام شهادةَ الكون