475

إلى خطابِ ﴿إِيَّاكَ﴾، فإنَّ علينا أن نتحوَّل عن البحث الغيابي ونتوجَّهَ بالسؤال مباشرةً إلى مَن نبحث عنه؛ إذِ السؤالُ عن الشمس التي تُظهِر كلَّ شيء إنما يتوجَّه للشمس ذاتها.

أجل، فمن يُظهِرُ كلَّ شيء يُظْهِر ذاتَه أكثر من كلِّ شيء؛ وعلى هذا فكما تُرى الشمسُ وتُعرَف من خلال أشعتها، فكذلك يمكننا بنسبةِ قابليَّتنا أن نجتهد في التعرُّف على خالقنا من خلال أسمائه الحسنى وصفاته القدسية.

ولما كان لهذا المقصِد طُرُقٌ لا تُعَدّ، ولطُرُقه مراتبُ لا تُحَدّ، ولمراتبه حقائقُ كثيرةٌ وتفصيلاتٌ طويلة؛ فإننا سنقتصر في هذه الرسالة على بيان حقيقتَيْن من حقائقِ مرتبتَيْنِ لطريقين من طُرِقه باختصارٍ وإجمال:

الحقيقة الأولى: حقيقةُ الفعَّاليَّة المستولية الشاملة للكون بأسره، وهي حقيقةٌ محيطةٌ دائمةٌ منتظمةٌ مدهشة تُرى بالمشاهدة رأيَ العين إذْ تديرُ جميعَ الموجودات السماوية والأرضية وتُبدِّلها وتجدِّدها؛

وحقيقةُ تَظاهُرِ الرُّبوبيَّة المحسوسةِ بالبداهةِ في طيِّ هذه الفعالية الحكيمة بكل جهاتها؛

وحقيقةُ تَبارُز الأُلوهيَّة المدرَكَةِ بالضرورة ضمن حقيقةِ تَظاهُرِ الربوبية التي تنشر الرحمة بكل جهةٍ.

وهكذا؛ فمِن هذه الفعَّاليَّة الحكيمة الحاكمة الدائمة وخَلْفَ حجابها: يُحَسُّ بأفعالِ فاعلٍ قديرٍ عليم، كأنها تُشاهَد.

ومِن هذه الأفعال الربانية المدبِّرة المُربِّية وخَلْفَ حجابها: تُعرَف بالبداهة بدرجةِ الحسِّ الأسماءُ الإلهية الموجودةُ جَلواتُها في كل شيء.

ومِن هذه الأسماء الحسنى ذات التجليات الجلالية والجمالية وخَلْفَ حجابها: يُفهَم وجودُ الصفات القدسية السبع وتَحَقُّقُها فهمًا بدرجةِ علمِ اليقين، بل عينِ اليقين، بل حقِّ اليقين.