276
زُجَّ بسعيدٍ النُّورْسِيّ ومئةٍ وعشرين من طُلابه في سجن «أسكي شَهِر»، ووُضِعَ وحدَه في زنزانةٍ منفرِدة، وتوالتْ عليهم صنوفٌ من العسْف والإساءة والأذى، إلا أنه برغمِ ذلك كله ألَّفَ «اللمعةَ الثلاثين»، والشعاعَين الأولَ والثاني؛ كما صلَحَتْ حالُ كثيرٍ من نزلاء السجن مُذْ دَخَله بديعُ الزمان وتمسَّكوا بالدين.
وكان الملاحدة المتخفُّون يَبثُّون إشاعاتٍ وأراجيفَ تقول: «إن بديعَ الزَّمان وطلابَه سيُنفَّذ فيهم قريبًا حكمُ الإعدام» [نعم، تتجلَّى نهايةُ الظلم هلاكًا للظَلَمة، وقد تجلَّتْ حقًا، فها هم الذين مكروا ذلك المكر محكومون اليوم بالإعدام الأبدي للموت، يهوون إلى أسفل سافلي جهنم، ويقضون عمرًا ذليلًا وقد انكسرت شوكتهم في هزيمةٍ ماحقةٍ وعذابٍ أشد من عذاب جهنم؛ أما بديع الزمان فما زال يحيا موفور العزَّةِ الإسلامية والشهامة الإيمانية، خادمًا بطلًا للإسلام والإيمان، يحقق للشعب التركي المسلم والعالَم الإسلامي أعيادًا معنويَّة بانتصاراته الإسلامية وبإدامته خدمة الإيمان والقرآن؛ المُعِدّون] بغيةَ نشرِ الخوف والرهبة في «إسبارطة» وما حولَها، بينما كان رئيس حكومة عصرِ الاستبداد والطغيان يقوم بجولةٍ في الولايات الشرقية تحسُّبًا من نشوبِ حركةِ عصيانٍ محتَملةٍ جَرَّاء إلقاء بديع الزمان في السجن.
والحال أن بديع الزمان سعيدًا النُّورْسِيّ كان قد اتخذ من العمل الإيجابيِّ البنَّاء دستورًا له مدى حياته، معلِنًا أنه: «لا يجوز أن تُجعَل أخطاءُ بضعةِ أفرادٍ سببًا للإضرار بمئاتِ الناس»، ولهذا لم يُؤْثَرْ وقوعُ حادثةٍ واحدةٍ في أثناء تلك المظالم المروِّعة، بل كان بديع الزمان دائمًا ما يوصي طلابه بالصبر والتحمُّل، وبالعمل لأجل الإسلام والإيمان فحسْب، وقد أدرك الجميعُ أن بثَّ مثل هذه المخاوف والإشاعات، والدفع باتجاه الانجراف في الأعمال التخريبية، إنما يصب في مصلحة الملاحدة وأعداء الدين.
أُحيلَ بديع الزمان مع مئةٍ وعشرين من طلابه على محكمةِ جنايات «أسكي شَهِر» في العام 1935م، وصادرتِ المحكمةُ المذكورة جميعَ رسائله ومراسلاته إثر عمليَّاتِ الدَّهم والتفتيش، إلا أنها لم تجد فيها دليلًا واحدًا يُدينُهم، فأصدرت في النهاية قرارًا تعسفيًّا بناءً على رأيٍ شخصيٍّ يقضي بسَجنِ بديع الزمان أحدَ عشرَ شهرًا، وبسَجنِ خمسةَ عشرَ ممن معه ستةَ أشهر، بينما برَّأتِ المئة والخمسة الباقين.