333

نعم، إن لكل حكومةٍ قانونَها وأصولَها، وإنما تنزل العقوبة وفقًا لذلك القانون؛ فإن لم يكن في قوانينِ حكومة الجمهوريَّة أسبابٌ توجِب إنزالَ أشدِّ العقوبات بي وبأصحابي، لزِم بلا شكٍّ منحُنا الحريَّةَ التامَّة مع التقدير والمكافأة والترضية؛ ذلك أنه لو كانت خدمتي القرآنية البالغةُ الأهميَّة، البارزةُ للعيان، موجَّهةً ضد الحكومة، لما جاز أن تكون عقوبتي سَجنَ سنةٍ واحدة، وعقوبةُ ثلةٍ من أصحابي سَجنَ ستةِ أشهر، بل كان يلزَم أن تنزلَ بي عقوبةٌ كالإعدام أو سَجن مئةِ سنةٍ وسنة، وتنزلَ أشدُّ العقوبات بمن ارتبطوا بي جِدِّيًّا في هذه الخدمة؛ أما إنْ لم تكن خدمتُنا موجَّهةً ضدَّ الحكومة، فاللازم حينئذٍ أن تُقابَل بالتقدير والمكافأة، لا بالعقوبة والسجن والاتهام.

أجل، فإن خدمةً جليلةً تنطق بلسانها مئةٌ وعشرون رسالة، ويُجابَه بها فلاسفةُ أوروبا فتَقلِب أساساتِهم رأسًا على عقب، لا بدَّ أن لها تأثيرًا بالغًا يجعلها تُفضي إلى نتيجةٍ رهيبةٍ في الداخل، أو تثمر ثمرةً علميَّةً عاليةً بغايةِ النفع؛ فلأجل ذلك ما ينبغي أن أُعاقَب بسَجنِ سنةٍ -كألاعيب الصِّغار- ذرًّا للرماد في العيون، وتضليلًا للرأي العام، وسترًا على مكائدِ الظَّلَمَة وأكاذيبهم بحقِّنا؛ وإنما شأن أمثالي إما أن يصعدوا إلى المشنقة مرفوعي الهامات فخرًا فيُعدَموا، أو يظلُّوا أحرارًا في المقام اللائق بهم.

نعم، إن اللصَّ الماهر الذي يَقدِر على سرقةِ ألماسٍ قيمتُه آلافُ الليرات، لا يعرِّض نفسَه لعقوبةِ سرقةِ الألماس بسرقةِ قطعةِ زجاجٍ ثمنُها عشرة قروش، لا يفعل هذا أيُّ لصٍّ في الدنيا، بل لا يفعلُه من له أدنى عقل، فهذا العمل المتناهي في البلاهة لا يرتكبه لصٌ بارع كهذا.

فيا أيها السادة.. افرِضوا أني كنتُ كهذا اللصِّ كما توهمتم وتوجَّستم، فلماذا أختار قريةً معزولةً بنواحي «إسبارطة»، حيث بقيت منزويًا فيها تسع سنين؟! ولماذا أخاطرُ بنفسي وبرسائلي التي هي غاية حياتي، فأُحرِّضُ على الحكومة خمسةَ أو عشرةَ بسطاءَ مساكين هم الآن محكومون معي بعقوبةٍ مخفَّفة؟! لماذا أقوم بذلك بينما كان بإمكاني أن