549

وجهٍ أن تجري الأمور على نحوٍ مُريعٍ من الظلم والجور والعبثية، بحيث يَمضي أعتى الظلمة وأضعف المظلومين معًا إلى الموت من غير عاقبة.. هذا ما تجيبنا به أسماء الله تعالى «الحكيم»، «الحَكَم»، «العدل»، «العادل»، جوابًا قطعيًّا لا شبهة فيه.

ثم إننا نرى جميعَ الكائنات الحيةِ تُعطى جميعَ حاجاتها التي لا تَقدِر عليها ولا تبلغها أيديها، وذلك بمجرد أن تطلبها بلسان الاستعداد الفطري والاحتياج الضروري الذي هو نوعٌ من الدعاء، فتؤتاها من يدِ غيبٍ رحيمةٍ سميعةٍ مشفقة؛ ونرى الدعوات التي يدعو بها الإنسان طواعيةً تلبَّى وتُجاب، لا سيما دعوات الأنبياء والخواص التي يُجاب معظمها إجابةً خارقةً للعادة؛ بحيث يتبيَّن قطعًا أن خلف حجاب الغيب سميعًا مجيبًا يسمع آهات كلِّ مكروب ودعوات كلِّ محتاج، بل يرى أدنى حاجةٍ يحتاجها أدنى ذي حياة، ويسمع أخفى تأوُّهاته، فيرأف به ويجيبه إجابةً فعليةً تُرضيه.

فما دمنا نرى ذلك، فكيف بطلبِ أمرٍ متعلِّقٍ بعموم الكائنات وعموم الأسماء والصفات الإلهية، ألا وهو طلب البقاء الأخروي الذي هو أهمُّ وأعمُّ دعاءٍ يدعو به البشرُ صفوةُ المخلوقات، وهو الدعاء الذي دعا به محمدٌ (ص)، وأمَّنَ عليه جميع الأنبياء المؤْتَمِّين به وهم شموس البشرية ونجومها وقادتها، ويُؤَمِّن عليه كلُّ مؤمنٍ من أمته في كلِّ يوم مراتٍ عديدةً على الأقل بالصلاة عليه، بل يشترك في هذا الدعاء جميعُ المخلوقات قائلين: أجل يا ربَّنا، آتِهِ سُؤْلَه، فإننا كذلك نطلب ما يطلب.. لا ريب أنه لو لم يكن من الأسباب غيرِ المحدودة التي توجِب الحشر للبقاء الأخروي والسعادة الأبدية إلا دعاؤه (ص) ضمن هذه الشرائط التي لا يُرَدُّ فيها الدعاء، لكان ذلك كافيًا لوجود الجنة وإيجاد الآخرة التي هي سهلةٌ على قدرته سبحانه سهولةَ إيجاد الربيع.. هذا ما تجيبنا به أسماء الله تعالى «السميع»، «المجيب»، «الرحيم»، جوابًا جَليًّا لا يدع شبهةَ احتمال.

ومثلما يُجلِّي النهارُ الشمسَ بلا امتراء، فإنَّ تَبَدُّلَ الفصول على وجه الأرض، وما يجري في تعاقُبها من موتٍ وحياةٍ كُلِّيَّين، يُجلِّي متصرِّفًا من خلف الحجاب، يُخَطِّط بقلمِ