550

القدرة الكرةَ الأرضيةَ الهائلة تخطيطًا في منتهى الانتظام، بنفسِ السهولة والانتظام التي يَخُطُّ بها حديقةً بل شجرة، ويرسم الربيعَ المهيبَ بالسهولة والزينة الموزونة التي يرسم بها زهرة، ويَسطُر على صحيفة الأرض أنواعًا من النباتات والحيوانات، هي بمثابةِ ثلاثمئةِ ألفِ كتابٍ يَعرِض ثلاثمئةِ ألفِ نموذجٍ ومثالٍ للحشر والنشر، يَسطُرها مكمَّلةً منتظمةً بليغةً، فلا يُخطئ فيها ولا يسهو رغم تشابهها، ولا تلتبس عليه رغم تداخلها، ولا تختلط عليه رغم اختلاطها، ويُظهِر في هذه العَظَمةِ رحمةً لا تُحَدّ وحِكمةً لا تُعَدّ؛ فضلًا عن أن ذلك المتصرِّف سبحانه أعطى الإنسان مقامًا رفيعًا لا يُدانى، إذْ منحه خلافةَ الأرض التي أشفقتْ من حَمْلِها السماواتُ والأرض والجبال، وسخَّر له هذا الكون العظيم وزيَّنه له وفرشَه حتى كأنه منزلٌ له، وكرَّمه بأنْ جعله سيدًا على سائر الأحياء، وشرَّفه بالمكالمة والمخاطبة السُّبحانية، ووعدَه وعدًا قاطعًا وتعهَّد له بالسعادة الأبدية والبقاء الأخروي في جميع كتبه السماوية؛ فلا ريب ولا شبهة أنه سيُنشئ لهذا الإنسان المكرَّم المشرَّف دارَ السعادة التي هي سهلةٌ على قدرته سبحانه سهولةَ فصل الربيع، وسيقيم له القيامةَ والحشر، وسيفتح له دار السعادة تلك.. هذا ما تجيبنا به أسماء خالقنا «المحيي»، «المميت»، «الحي»، «القيوم»، «القدير»، «العليم»، سبحانه.

أجل، إن القدرة التي تُحيي الأشجارَ وجذورَ النباتات بأعيانها في كلِّ ربيع، وتوجِد في كلِّ ربيعٍ ثلاثمئةِ ألفِ نموذجٍ نباتيٍّ وحيوانيٍّ للحشر والنشر، وتُظهِرُ في ألفَي ربيعٍ مضى ألفَ مثالٍ للحشر والنشر وألفَ دليلٍ عليه، [كلُّ ربيعٍ مضى قامتْ قيامتُه ومات، والربيع الذي تلاه كان بمثابة حشرٍ له؛ المؤلِّف] وذلك إنْ نظرنا خيالًا إلى ألف سنةٍ قضتْها كلٌّ من أمة محمدٍ وموسى عليهما الصلاة والسلام وقابلْنا بينها، لا جَرَم أن استبعادَ الحشر الجسمانيِّ بحقِّها سيكون عمًى وحماقةً بألف درجة.

ثم ما دام مئةٌ وعشرون ألفًا من الأنبياء الذين هم أشهر البشر قد أعلنوا بالاتفاق عن السعادة الأبدية والبقاء الأخروي، مستندين إلى وعود الله تعالى وعهوده التي تبلغ