553

الشدة، وتَسقُط تلك السلطنة السرمدية بكلِّ أُبَّهتها وجلالها وقوتها، وتتلاشى هيبتُها بعدم مجيء الحشر، وتَشُوبُ كمالاتِ الربوبيةِ شوائبُ العجز والنقص.. وهذه حالٌ لا سبيل لإمكانها بأيِّ وجه، ولا يُجيزها عقلٌ بحال، بل هي باطلةٌ ممتنعةٌ خارجةٌ عن دائرة الإمكان داخلةٌ في مئةِ مُحال؛

لأن كلَّ مَن له شعورٌ يَفهم ما أشدَّ قسوةَ الإعدام الأبديِّ بحقِّ مَن رُبِّي وغُذِّي بعنايةٍ ورِقَّة، وأُودِعتْ في أجهزته -من عقلٍ وقلبٍ ونحوِهما- مشاعرُ الشوق نحو السعادة الأبدية والبقاء الدائمي في الآخرة!! وما أشدَّ مجافاةَ الحكمة في الإسراف الذي لا فائدة منه ولا جدوى ولا غاية، وذلك حين تُهدَر أجهزةٌ واستعداداتٌ فيها آلاف الفوائد وتُبدَّد بموتٍ لا إحياء بعده ولا عاقبة لمن أُودِع في دماغه وحدَه مئات الفوائد الحكيمة!! وما أشدَّ منافاةَ عَظَمَةِ السلطنة وكمالِ الربوبية حين يَظهر الجهل والعجز بإخلافِ آلاف العهود والوعود!! حاشا ثم حاشا.. وقِسْ على ما سبق العنايةَ والعدالة.

فهذه أسماءُ خالقنا «الرحمن»، «الحكيم»، «العدل»، «الكريم»، «الحاكم»، تُجيبُنا من خلال هذه الحقائق عن سؤالنا الذي سألناها إياه عن الآخرة، وتُثبِتها لنا جَليَّةً من غير شكٍّ ولا شبهةٍ كالشمس.

ثم إننا نرى بأعيننا حَفِيظيَّةً عظيمةً محيطةً مهيمنة، بحيث تُسجِّل جميعَ صور الأشياء والحوادث المتعلِّقة بكلِّ حيٍّ على كثرتها، وتسجِّل دفترَ وظيفته الفطرية، وصحيفةَ أعماله المتعلِّقةَ بتسبيحاته بلسان حاله إزاء الأسماء الإلهية، تسجِّلها وتُمليها وتحفظها موثَّقةً مضبوطةً في ألواح المثال، وفي البُذيرات والنوى، وفي القوى الحافظة التي هي نموذجٌ مصغَّرٌ عن اللوح المحفوظ -خصوصًا القوة الحافظة التي في دماغ الإنسان، إذْ تُشبِه مكتبةً صغيرةً جدًّا في صورتها، كبيرةً جدًّا في معناها- وكذا في سائر المرايا العاكسة الماديةِ منها والمعنوية؛ حتى إذا آن الأوان أظهرتْ تلك الحفيظيَّةُ جميعَ تلك المكتوبات المعنوية في صورةٍ ماديةٍ أمام أعيننا، وأعلنتْ بمليارات الألسنة في فصل الربيع -الذي هو زهرةٌ من