554

زهَرات القدرة، والذي هو بذاته زهرةٌ كبرى- عن واحدةٍ من أعجب الحقائق الحَشْريَّة التي في الآية: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير:10].. أعلنتْ عنها بقوةِ ملايين الأمثلة والأدلة والنماذج؛ وأثبتتْ بغاية القوة أن جميع الأشياء وجميع الأحياء وفي مقدمتهم النوعُ الإنساني، لم يُخلَقوا ليكون مصيرهم الإعدامَ سقوطًا في مهاوي الفناء وتلاشيًا في غياهب العدم، كلا، إنما خُلِقوا ليترقَّوا في مدارج البقاء، ويتزكَّوا لأجل الخلود، ويتأهَّلوا للدخول في وظيفةٍ سرمدية.

أجل، فإننا في كلِّ ربيعٍ نشاهد أن كلَّ شجرةٍ وكلَّ جَذْرٍ وكلَّ بذرةٍ ونواةٍ من النباتاتِ غيرِ المحدودةِ التي تُوفِّيَتْ عند قيامةِ الخريف قد أخذتْ تتلو عند حشرِ الربيع آيةَ: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير:10].. تتلوها فتُفسِّر معنًى من معانيها وفردًا من أفرادها، بلسانها الخاص وبأمثلةِ وظائفها التي أدَّتها في السنين الماضية، وتَشهَد على عظَمَة تلك الحفيظية، وتُعلِّمنا درسَها بأعظم درجة، وتبيِّن لنا أن الحشر سهلٌ وقطعيٌّ بقدرِ سهولةِ الربيع وقطعيَّته، وتُجلِّي في كلِّ شيءٍ الحقائقَ الأربعةَ الجليلة التي في الآية الكريمة: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد:3].

أجل، فإن جَلَوات هذه الأسماء الأربعةِ قائمةٌ في جميع الموجودات من أدنى جزئيٍّ إلى أعظم كُلِّيٍّ، وكمثالٍ على هذا فإن البذرة التي هي منشأ الشجرة، هي من حيث مَظهريَّتُها لاسم «الأول» حُقَّةٌ صغيرةٌ تحوي برنامجَ عمل الشجرة بغاية الدقة والإحكام، وأجهزةَ إيجادها وشرائطَ تشكُّلِها تامةً من غير نقصان، على نحوٍ يُثبِت عظَمَةَ تلك الحفيظية.

أما الثمرة التي هي مَظهَر اسمِ «الآخِر»، فهي بما فيها من نوى صندوقٌ صغيرٌ يحوي فِهرِسًا بجميع الوظائف الفطرية التي أدَّتها هذه الشجرة، كما يحوي جدول أعمالها ودساتيرَ حياتها الثانية، بحيث تَشهَد على الحفيظية بأعظم درجة.