542

كأنها قاطرةٌ عظيمة، لتَحمِل الأقوات لذوي الحياة المساكين الذين استنفذوا أرزاقهم في الشتاء؛ وبقَدْرِ ما يَفُوقُ هذا المتجرُ الربانيُّ ذاك المتجرَ ضخامةً وفخامةً، يُنْبِئ كذلك بنفس الدرجة والقطعية عمَّن هو صاحب مستودع الكرة الأرضية وفق مقياس علم التموين والتغذية الذي تدرسونه وستدرسونه، ويُعرِّف به ويُحبِّب به.

وكذلك لو كان ثمة جيشٌ قِوامه أربعمئة ألفِ أمةٍ أو قوم، وكانت المُؤنة التي تحتاجها كلُّ أمةٍ مختلفةً عن الأخرى، وكذا السلاحُ الذي يستعمله كلُّ قوم، والزِّيُّ واللباسُ الذي يرتديه، والتدريبُ الذي يتلقَّاه، والتسريحُ الذي يُنهي به خدمتَه؛ وكانت جميع هذه المُؤَن المختلفة تصل لكلِّ قومٍ من أقوام هذا الجيش، ويؤمَّن لكلٍّ منها سلاحُه المخصوص ولباسُه المميَّز وعتادُه المتنوع المختلف، يقومُ بذلك قائدٌ فذٌّ يتولى جميع تلك الشؤون بمفرده، دون أن ينسى منها شيئًا أو يختلط عليه منها شيء؛ فكما أن مثل هذا الجيش العجيب بمعسكره يدلُّ بداهةً على قائده الأعجوبة، ويُحبِّب به بإكبارٍ وتقدير، فكذلك تمامًا معسكر الربيع الذي تشهده الكرة الأرضية، حيث يُجَنَّد فيه مع كلِّ ربيعٍ جيشٌ سبحانيٌّ جديدٌ يضمُّ أربعمئة ألف نوعٍ من أممِ الحيوانات والنباتات، يُسلَّمون فيه لباسَهم وأرزاقَهم وأسلحتَهم وتدريباتهم وتسريحاتهم على اختلافها وتنوعها، يُسلَّمونها بمنتهى الكمال والنظام من لدن قائدٍ عظيمٍ متفرِّدٍ دون أن ينسى منها شيئًا أو يختلط عليه شيءٌ منها؛ وبقَدْرِ ما يَفُوق هذا الجيش الربيعيُّ ومعسكرُه نظيرَه البشري المذكورَ ذاك ضخامةً وفخامةً، يُنْبئ بالقَدْرِ نفسه عمَّن هو حاكمُ الكرة الأرضية وربُّها ومدبِّرُها وقائدُها الأقدس وَفْقَ مقياس العلوم العسكرية التي ستدرسونها، أجل، يُنْبئ عنه بإعجابٍ وتقدير، ويُحبِّب به بتسبيحٍ وتحميد، لكلِّ عاقلٍ يَقِظ.

ونضرب مثلًا آخر بمدينةٍ عجيبةٍ فيها ملايين المصابيح الكهربائية تَجُولُ في أرجائها من غير أن يَنفَد وَقودُها، فكما أن هذه المصابيح السيَّارة والمحطات التي تولِّد كهرباءَها تدلُّ دلالةً بدهيةً لا يشوبها شكٌ على خبيرٍ مبدعٍ ومهندسٍ كهربائيٍّ قديرٍ بارعٍ، هو مَن