544

عبارات التقدير: ما شاء الله! تبارك الله!؛ فكذلك كتابُ الكونِ الكبيرُ هذا، فإننا نشاهد بأعيننا ما يفعله القلم الذي يكتب على وجه الأرض التي هي صفحةٌ واحدةٌ من صفحاته، وفي الربيع الذي هو كُرَّاسٌ من كراريسه، إذْ يكتب ثلاثمئةِ ألف نوعٍ من أنواع النباتات والحيوانات التي تُعدُّ بمثابة ألفِ كتابٍ متنوعٍ مختلف، يكتبها معًا منتظَمةً مكمَّلةً بلا خطأٍ ولا خلل، وبلا اختلاطٍ ولا اضطراب، ويَخُطُّ قصيدةً في كلمةٍ من كلمات هذا الكتاب، أعني الشجرة؛ ويضع فِهرِسَ كتابٍ بأكمله في نقطةٍ من نقاطه، أعني البذرة.

وهذا العالَم هو القرآن الأكبر المجسَّم، وسِفْرُ الكون الذي لا تتناهى معانيه، والذي تنطوي كلُّ كلمةٍ فيه على حِكَمٍ جَمَّة، وهو بقَدْرِ ما يَفُوق نظيرَه المذكور في المثال ضخامةً وفخامةً ومعنًى، يُعرِّف بالقَدْرِ نفسِه بمن هو كاتبُ كتاب الكون ونقَّاشُه بحسب علوم الطبيعة التي تدرسونها، ووفق المقاييس الأشمل لعلم القراءة والكتابة الذي تمارسونه، وتبعًا لمنظاره، فهو يُعرِّف بكمالاته غير المحدودة، ويُنبئ عنه بجملة: الله أكبر، ويقدِّسه بـ: سبحان الله، ويُحبِّب به بـ: الحمد لله.

وهكذا.. وبالقياس على العلوم المذكورة آنفًا فإن كلَّ علمٍ من العلوم -وهي بالمئات- يُنبِئ عن خالق الكائنات بأسمائه جلَّ جلاله، ويُعرِّف صفاته وكمالاته، كلٌّ بحسب منظاره ونَظَرِ عِبرته ومقياسه الشامل ومرآته الخاصة.

وقلتُ لأولئك الطلاب الشباب: إن القرآنَ المعجِزَ البيانِ يُعرِّف لنا خالقَنا أكثرَ ما يُعرِّف بآياتٍ مثل: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الأنعام:1]، و﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الرعد:16]، كي يُعلِّمنا هذه الحُجَّة المذكورة التي هي برهانٌ عظيمٌ ساطعٌ من براهين الوحدانية؛ فقالوا مُقِرِّين مصدِّقين: الحمد لله حَمدًا لا يتناهى أنْ تلقَّينا درسًا قدسيًّا تامًّا هو الحقيقة بعينها، فجزاك الله عنا خيرًا.

وقلتُ لهم: إن الإنسان ماكينةٌ حيَّةٌ تتألم بآلافِ أنواعِ الآلام وتتلذَّذ بآلافِ أنواعِ اللذائذ، وهو مخلوقٌ مسكينٌ يتلقَّى صفعات الزوال والفراق على الدوام؛ وهو مع عجزه