349

ثم إنه كان لهذه الدجاجة فرخةٌ صغيرةٌ أفرختْها في الصيف، فأخذتْ تضع البيض مع أول شهر رمضان المبارك، حتى لقد استمرت على ذلك أربعين يومًا، فقد شَرَعَتْ في وضع البيض حالما انقطعت أمُّها عنه، فلم تحرمني منه.

فلم تَبق لديَّ شبهةٌ ولا لدى من يقومون على شؤوني في أن حالتها المباركة هذه، سواءٌ وَضعُها البيض وهي صغيرة، أو وضعُ البيض في الشتاء أو في رمضان، ليس سوى إكرامٍ رباني.

السؤال المتوجِّس الثاني: يقول أهل الدنيا: كيف نأمَن جانبَك ونطمئن إلى أنك لن تتدخل في دنيانا؟ فلعلَّك إن أطلقنا سراحك تدخَّلت!

ثم كيف نعلم أنك لا تخادع، فلعلك تُظهِر نفسك بمظهر التارك للدنيا، المتعفِّف ظاهرًا عن أموال الناس، بينما تتلقاها في السر؛ كيف نعلم أن هذا ليس مخادعة؟

الجواب: إن حالي ووضعي قبل عهد الحرية وفي المحكمة العسكرية قبل عشرين سنة، وهي معلومةٌ لكثيرين، وكذا مدافعتي المسماة: «شهادة مدرستَي المصيبة» التي أدليتُ بها في المحكمة العسكرية، تُظهِر بشكل قطعي أنني أمضيت حياتي مترفِّعًا عن ممارسة أدنى حيلةٍ، فضلًا عن سلوكِ سبيلِ المخادعة.

فإنْ كان ثمة مجالٌ للحيلة لوجدتم مني خلال هذه السنين الخمس مراجعةً لكم بتملقٍ وتزلف؛ فإنَّ مَن كان صاحبَ حيلةٍ تودَّد إلى الناس ولم يعتزلهم، وسعى أبدًا في خداعهم واستغفالهم، والحال أني ترفَّعتُ عن التذلل في مواجهة الهجمات والانتقادات الشديدة ضدي، بل أعرضتُ عن أهل الدنيا ووليتهم ظهري قائلًا: توكلت على الله.

ثم إن من عرف الآخرة، وكشف حقيقة الدنيا، لا يندم على تركِها، ولا يعود للانشغال بها ثانيةً إن كان له عقل.