356

وإن أهل الدنيا تساورهم بشأني على نحوٍ خاصٍّ هواجسُ كثيرة ويتوجسون مني خيفةً، إذ يتخيَّلون أمورًا لا وجود لها عندي، بل حتى لو وُجِدَتْ ما كانت لتشكِّلَ جرمًا سياسيًّا أو تكونَ مدار اتهام؛ فمنها المشيخة والعَظَمة والحسَب، وأنني صاحب عشيرة ونفوذ، وأنني كثير الأتباع، وأنني أجتمع بأبناء البلد، وأنني على صلةٍ وثيقة بأحوال العالم، بل لقد توهموا دخولي في السياسة بل في المعارضة ونحو ذلك مما ليس عندي، حتى استولت عليهم المخاوف والهواجس من جرَّاء ذلك، لدرجة أنهم لما ناقشوا موضوع العفو عن أشخاصٍ داخل البلاد وخارجها، وهم أشخاصٌ لم يكونوا يستحقون العفو بنظرهم، منعوني من كل شيء.

ولقد قال يومًا رجلٌ سيئٌ فانٍ كلامًا حسنًا باقيًا، قال:

إنْ كان للظلم مدفعٌ وقذيفة وقلعة

فللحق ذراعٌ لا ينثني ورأسٌ لا ينحني

وأنا أقول:

إنْ كان لأهل الدنيا حكمٌ وشوكةٌ وقوة

فلِخادمِ القرآن بفيضه علمٌ لا يَضِل..

وكلماتٌ لا تصمت..

وقلبٌ لا يزيغ..

ونورٌ لا ينطفئ.

 ولقد سألني مِرارًا كثيرٌ من الأصحاب وكذا ضابطٌ يقوم بمراقبتي: لِمَ لا تراجع الجهات المعنيَّة وتتقدم بطلبٍ للحصول على وثيقةِ العودة؟

فالجواب: إنني لا أراجعهم، ولا يمكنني أن أراجعهم لخمسةِ أسبابٍ أو ستة: