359

السبب الثامن من أسباب عدم مراجعتي إياهم: أن القدر الإلهي العادل يُعذبني بالأيدي الظالمة لأهل الدنيا، وفقًا للقاعدة القائلة: «نتيجةُ المحبة غيرِ المشروعة عداوةٌ جائرة»؛ فإني كنتُ مِلْتُ إليهم مع أنهم ليسوا أهلًا لأن يميل المرء إليهم، فأنا مستحقٌّ لهذا العذاب، ولهذا ألتزم الصمت.

ذلك أني انخرطت في الحرب العالمية الأولى، وحاربتُ فيها مدة سنتين بوصفي قائدًا لفرقةٍ من المتطوعين، وفقدتُ فيها طلابي وأصحابي الأعزاء، ونِلتُ التقدير من قائد الجبهة ومن القائد العام للجيش «أنور باشا»، وأصابتْني فيها جراحٌ فوقعت أسيرًا، ثم بعد أن عدتُ من الأسر ألقيت بنفسي في المخاطر بما ألَّفتُ من كتبٍ، ككتاب «الخطوات الست» الذي أهويتُ به على رؤوس الإنكليز إبَّان احتلالهم لاسطنبول، وقدَّمتُ العون لأُناسٍ كافؤوني عليه فيما بعد بأن زجُّوا بي في هذا الأسر المرير دون سبب، فجرَّعني هؤلاء الأصدقاء من الشدائد والأذى في ثلاثة أشهر ما تجرعتُه في ثلاث سنين من الأسر في روسيا.

ومع أن الروس كانوا ينظرون إليّ على أنني ذلك الرجل الباطش الذي قطع رقاب القوزاق والأسرى بصفته قائدَ المتطوعين الأكراد، إلا أنهم لم يمنعوني من إلقاء الدروس، فكنت أُدرِّس معظم الضباط الأسرى البالغ عددهم تسعين ضابطًا، وذات مرةٍ جاء القائد الروسي فاستمع إلى الدرس، فظنَّه لجهلِه بالتركية درسًا سياسيًّا، فمنعني منه مرةً واحدة، ثم سمح به.

بل لقد اتخذنا إحدى الغرف في تلك الثُّكْنة مسجدًا، وكنت أقوم بالإمامة هناك، فلم يتدخل القوم في شيءٍ من ذلك، ولم يمنعوني من مخالطة الناس، ولم يحولوا دون اتصالي بهم، في حين أن أصدقائي هؤلاء -وهم أبناء وطني وديني، وهم مَن كابدتُ