341

النقطة الثانية: لماذا يَجتنِب «سعيدٌ الجديد» السياسةَ كلَّ هذا الاجتناب؟

الجواب: لكيلا يُضحِّي بسعيه لحياةٍ أبديَّةٍ تزيد على مليارات السنين، ولكيلا يُفرِّط بفوزه بها لأجلِ تدخُّلٍ فضوليٍّ غيرِ لازمٍ في سنةٍ أو سنتين من حياةٍ دنيويةٍ مشكوكٍ فيها.

وهو كذلك يفرُّ من السياسة أشدَّ الفرار من أجل خدمة القرآن والإيمان التي هي الأهم والألزم والأصفى والأحق.

ذلك أنه يقول: إنني أتقدَّم في السن، ولا أدري كم سنةً سأعيش بعد هذا العمر، إذًا فيلزم أن يكون أهمُّ عملٍ لي السعيَ للحياة الأبدية؛ وليس سوى الإيمان وسيلةٌ للفوز بالحياة الأبدية ومفتاحٌ للسعادة الأبدية، فيلزم السعي له.

ولكنني أيضًا أريد أن أخدِم الناس وأُسْدِيَ لهم النفع، لأنني مكلفٌ بذلك شرعًا لكوني عالِمًا؛ إلا أن هذه الخدمة إما أن تكون عائدةً إلى الحياة الدنيوية والاجتماعية، وإما تكون عائدةً إلى الحياة الأخروية والإيمانية، فأما الأُولى فليس بوسعي القيام بها، فضلًا عن أنه لا يتأتى أداءُ خدمةٍ سليمةٍ في زمانٍ عاصفٍ مضطرب؛ لذا تركت هذه الجهة، واخترتُ عليها جهةَ خدمةِ الإيمان، وهي الأهمُّ والألزم والأسلَم.

وإنني أترك الباب مفتوحًا لتصل إلى أيدي الناس الحقائقُ الإيمانية التي كسِبتُها لنفسي، والأدويةُ المعنويَّةُ التي جربتُها بنفسي، لعل الله سبحانه يقبل هذه الخدمة، ويكفِّرَ ما سلف من ذنبي.

وليس من حقِّ أحد أن يقف في وجه هذه الخدمة، مؤمنًا كان أو كافرًا، صِدِّيقًا كان أو زنديقًا، حاشا الشيطانَ الرجيم؛ ذلك أن عدم الإيمان لا يشبه شيئًا آخر، إذْ يمكن أن يكون في الظلم والفسق والكبائر لذائذ شيطانية منحوسة، أما عدم الإيمان فليس فيه أيَّةُ جهةٍ من اللذة، بل هو ألمٌ في ألم، وظُلمةٌ في ظلمة، وعذابٌ في عذاب.

فهل يُعقَل يا تُرى في حقِّ إنسانٍ مثلي يعيش وحيدًا، ولا تربطه علاقةٌ بأحد، ويبحث باضطرارٍ عن كفارةٍ لما سَلَف من ذنبه، أن يَترك السعيَ لحياةٍ أبديةٍ، ويتركَ خدمةَ نورٍ قدسيٍّ كالإيمان، ليَزُجَّ بنفسه وقتَ الشيخوخة في ألاعيب السياسة الخطرة غير اللازمة؟! ألا إنه لَأمرٌ يبلغُ من مجافاة العقل والحكمة، بل من الجنون، مبلغًا لا يخفى حتى على المجانين.