344

أما إنْ كانت الإهانة الصادرة عن ذلك الشخص عائدةً إلى صفتي باعتباري خادمًا للإيمان والقرآن، فهي غير عائدةٍ إليَّ، وإنني أُحيل هذا الشخص إلى صاحب القرآن الذي يستخدمني، فهو عزيزٌ حكيم.

وإنْ كانت من قبيل مجرد شتمي وتحقيري والحطِّ من شأني فتلك أيضًا غير عائدةٍ إليَّ، وإنما تعود على من يراقبني من حكام هذه القرية، ثم الناحية، ثم الولاية، فقد حللْتُ ضيفًا عليها، وإني ما دمت منفيًّا وأسيرًا وغريبًا ومقيَّدًا، فلا يقع على عاتقي الدفاع عن كرامتي بنفسي، إذْ إنَّ إهانة أسيرٍ ما إنما تعود على صاحبه، فهو من يدافع عنه.

ولما علمتُ أن هذه هي الحقيقة استراح قلبي، وقلتُ: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:44]، واعتبرتُ الحادثة كأنها لم تكن، ونسيتُها، ولكن -للأسف- تبيَّن فيما بعد أن القرآن لم يسامحه.

الحكاية الثانية: وهي أنني سمعتُ في هذه السنة أن حادثةً وقعتْ، فإذا بي ألقى معاملةً كما لو كنت وثيق الصلة بهذه الحادثة، مع أني لم أسمع بها إلا على نحوٍ مجمل، فضلًا عن أني لم أكن أراسل أحدًا أصلًا، فإن فعلتُ ذلك، ونادرًا ما كنتُ أفعل، فإنما كنت أكتب إلى صديقٍ مسألةً إيمانية؛ حتى إنني خلال أربع سنوات لم أكتب إلى شقيقي سوى رسالةٍ واحدة.

ولقد كنتُ أمنع نفسي من مخالطة الناس، ويمنعني منها أهل الدنيا كذلك، فلم يكن بمقدوري مقابلةُ سوى واحدٍ أو اثنين من الأحباب مرةً في الأسبوع؛ أما الضيوف القادمون إلى القرية فكان يلتقي بي في الشهر واحدٌ أو اثنان منهم مدةَ دقيقةٍ أو دقيقتين لأجل مسألةٍ تتعلق بالآخرة.

ولقد مُنِعتُ في هذه الغربة من كل شيءٍ ومن كل الناس، مع أني غريبٌ وحيدٌ لا قريب لي، وفي قريةٍ لا تناسب أمثالي للسعي لكسب المعيشة؛ ولقد رمَّمتُ قبل أربع سنين مسجدًا متهدِّمًا، وتوليتُ الإمامة فيه طَوالَ السنوات الأربع -أسأل الله القبول- نظرًا