346

النقطة الرابعة: جوابٌ عن بضعة أسئلةٍ تنُمُّ عن توجُّسٍ وارتياب:

السؤال الأول: يقول أهل الدنيا: بِمَ تعيش؟ وكيف تَعُوْل نفسَك من غير عمل؟ نحن لا نريد في بلادنا القاعدين كسلًا ومَن يقتاتون على سعي الآخرين.

الجـواب: أعيـش بالاقتـصـاد والبركـة، ولسـتُ أقبـلُ منَّـةَ أحـدٍ سـوى رزَّاقي جلَّ جلاله.

أجل، إنَّ من يعيش بمئة بارةٍ في اليوم، بل بأربعين بارة، لا يقبل منَّة أحد، ولم أكن أرغب مطلقًا إيضاح هذه المسألة، ولا أُسَرُّ ببيانها، إذ لعلها تُشعر بالغرور والأنانية، لكن ما دام أهل الدنيا يسألون عن ذلك بصورةٍ تثير الأوهام والهواجس فإنني أقول:

إن أحدَ دساتير حياتي التي أخذتُ بها منذ صباي: عدمُ قبول أموال الناس ولو كانت زكاة، وعدمُ قبول الراتب، إلا ما اضطررتُ إلى قبوله لمدة سنة أو سنتين في «دار الحكمة الاسلامية» بإصرارٍ من أصدقائي، وعدمُ الدخول تحت مِنَّة أحدٍ لأجل المعيشة الدنيوية؛ وهذا أمرٌ يعلَمه أهل بلدي وسواهم ممن يعرفونني من أماكن أخرى، ولقد حاول كثير من الأصدقاء في أثناء سنوات النفي الخمس هذه أن يحملوني على قبول هداياهم فلم أفعل.

فإن قيل: فكيف تدير أمورك إذن؟

أقول: إنني أعيش بالبركة والإكرام الإلهيين؛ فإنّ نفسي وإنْ كانت تستحق كلَّ إهانةٍ وتحقير، إلا أنني كرامةً لخدمة القرآن أغدو مَظهرَ البركة التي هي إكرامٌ إلهيٌّ بخصوص الرزق.

وإنني بسرِّ قوله سبحانه: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضُّحى:11] أذكر على سبيل الشكر المعنوي عدةَ نماذج من الإحسانات التي أولانيها اللهُ تبارك وتعالى، ومع أنه شكرٌ معنوي إلا أنني أخشى أن أشعر بالرياء والغرور فتنقطعَ تلك البركة المباركة؛