347

ذلك أن إظهار البركة الخفية على سبيل الافتخار سببٌ لانقطاعها؛ ولكن ما الحيلة؟ لقد اضطُرِرتُ لذكرها.

فأولها: أنه كَفَتْني كَيلةُ قمحٍ واحدةٌ -وهي تساوي ستةً وثلاثين رغيفًا- طَوالَ هذه الشهور الستة، وما تزال موجودةً لم تنفَد، ولا أدري إلامَ ستكفيني؟ [وقد استمرت سنةً؛ سعيد]

وثانيها: أنه لم يأتني طعامٌ خلال شهر رمضان المبارك سوى من بيتين، وكِلاهما أمرضاني، ففهمت أنني ممنوعٌ من أكل طعام الآخرين؛ ولقد كفاني فيما بقي من رمضان ثلاثةُ أرغفة وأُوقِيَّةُ أَرُزٍّ بإخبارٍ وشهادةٍ من الصديق الصادق القائم على تدبير شؤوني «عبد الله جاويش» صاحب المنزل المبارك، حتى إن ذلك الأَرُزَّ لم ينفَد إلا بعد خمسة عشر يومًا من رمضان.

وثالثها: أنه كفتْني أنا وضيوفي بالجبل أُوقِيَّةٌ من الزُّبْد نأكل منها كلَّ يوم بالخبز ثلاثةَ أشهر، حتى إنه كان لي ضيفٌ مباركٌ اسمه «سليمان»، وكان رغيفانا على وشك النفاد، فقلت له -وكان يومَ أربعاء–: اذهب فائتِ بالخبز، فليس على مسيرةِ ساعتين من هنا أحدٌ يُبتاع منه الخبز.

فقال: إنني أرغب في مشاركتك الدعاء على الجبل ليلةَ الجمعة. [خشي سليمان إن هو ذهب لشراء الخبز من أقرب قريةٍ أن يحل عليه الظلام دون أن يتمكن من العودة إلى الأستاذ أو يتوفرَ له المأوى في قريةٍ هو غريبٌ عن أهلها، فيفوِّت بذلك المكث مع الأستاذ في مساء اليوم التالي ليلةَ الجمعة؛ هـ ت]

فقلت: توكلنا على الله، اِبق؛ ثم صعدنا سيرًا على الأقدام دون أن يكون لذلك أي داعٍ أو مناسبةٍ حتى بلغنا قمةً في الجبل، وكان في الإبريق قليل من الماء ومعنا يسيرٌ من السكر والشاي، فقلت له: اصنع لنا شيئًا من الشاي يا أخي، فأخذ يُعِدُّه بينما جلستُ تحت شجرة أَرْزٍ تطل على وادٍ عميق، وفكرتُ بأسف قائلًا: ليس معنا سوى قطعة خبزٍ