288

والجواب: إنني أعيشُ معظم الأيام بمئةِ بارةٍ [تتألف الليرة من مئة قرش، ويتألَّف القرش الواحد من أربعين باره؛ هـ ت] يوميًّا، بل أعيش أحيانًا بمصروفٍ أقلَّ من ذلك كما يعلم أصحابي الذين يلازمونني، وما هذا إلا ببركاتِ شدة الاقتصاد، وبخزينةِ القناعة التامة، حتى إنني على مدى سبعِ سنين تدبَّرتُ حاجاتٍ لي كاللباس والحذاء ونحوها بسبعِ ورقاتٍ نقديَّةٍ فقط، وهذا أمرٌ يعرفه أهل «بارلا» التي أقمتُ بها تسع سنين.

ثم إنني بشهادةِ سيرتي [يقصد السيرة الموجزة التي ألفها ابنُ أخيه «المُلّا عبدُ الرحمن»؛ هـ ت] التي بين أيديكم، تعفَّفتُ طَوالَ حياتي عن هدايا الناس وصدقاتهم، وردَدتُ هدايا خُلَّصِ أصدقائي كاسرًا خواطرهم، ويعلَم أصحابي الذين يعاونونني أنني إنِ أُحرِجتُ لقبول هديَّةٍ قبِلتُها على شرط المكافأة.

وقد أنفقتُ معظمَ رواتبي التي أخذتُها من «دار الحكمة الإسلاميَّة» على طباعةِ الكتب التي ألَّفتُها في ذلك الحين، وادَّخرْتُ البعضَ اليسير منها للذهاب إلى الحج، فكفاني ذلك المالُ القليل عشرَ سنين ببركة الاقتصاد والقناعة، فلم يُرَقْ ماءُ وجهي، وما تزال ثمةَ بقيَّةٌ من ذلك المال المبارك.

هيئةَ المحكمة..

ما ينبغي أن يُمَلَّ من سماعِ إفادتي الطويلة هذه؛ فلقد أُرفِق بأوراقِ مذكِّرةِ توقيفي عشرون أو ثلاثون كتابًا من كتبي، وإن هذه الإفادة الطويلة تُعَدُّ قصيرةً بلا شكٍّ في مقابل هذا المقدار من أوراق اتهامي.

أنا لا أعرف القوانين، إذْ لم أتدخَّل في شؤون الدنيا منذ ثلاث عشرة سنة؛ وسيرتي شاهدةٌ على أنني أترفع عن ممارسة الخديعة والتضليل للدفاع عن نفسي، فلقد بيَّنتُ حقيقة الحال كما هي؛ وإن لكم ضميرًا ووجدانًا، وتعرفون وجوه تطبيق القوانين دون عَسْف، فأصدِروا حُكمكم بحقِّي.