527

إنه لم يسبق أنْ وُجِد إلى اليوم مَن يقاسي أقلَّ المشاقِّ في سبيل أعظم خدمةٍ قدسيةٍ كما هي حال تلاميذ رسائل النور؛ أجل، فالجنة ليست رخيصة، وإنقاذُ الناس من الكفر المطلَق الذي يدمِّر الحياتَين عملٌ بالغُ الأهمية في هذا الزمان، فحتى إنْ وُجِد في هذا العمل مشقةٌ جزئيةٌ وَجَبَ أن تُقابَل بالهمة والشكر والصبر، وما دام خالقنا الذي أقامَنا في هذا العمل رحيمًا حكيمًا، فعلينا أن نتلقَّى ما يصيبنا بالرضا والسرور معتمدين على رحمته وحكمته سبحانه.

 سعيد النُّورْسِيّ

***

وقلتُ في دفاعي الوجيز هذه المرة: إن الرأفة والحقَّ والحقيقة التي تَفيض بها رسائلُ النور قد منَعَتْنا من الاشتغال بالسياسة، لأنه سيَنْجُم عن ذلك تَوَرُّطُ البسطاء الأبرياء في المهالك، وبذلك نكون قد ظلمناهم.

وقد طلبَ مني بعض الشخصيات إيضاحَ هذا فقلتُ: إنه بالنظر إلى ما نشأ عن المدنيَّةِ الظالمة من أنانيةٍ وعصبيةٍ عنصرية، وما أفرزتْه الحرب العالمية الثانية من استبداداتٍ عسكرية، وبالنظر إلى ما تورِثُه الضلالةُ من قسوةٍ وبطش، استحوذ على الساحة في هذا الزمانِ العاصفِ المضطربِ أشدُّ أنواع الظلم والاستبداد؛ بحيث آلَ الأمرُ بأهل الحق إنْ هم دافعوا عن حقِّهم بالقوة المادية أن يكونوا بين أمرين:

إما أن يَصطلي بسببهم كثيرٌ من المساكين المستضعفين بأشدِّ نيران الظُّلم، بحجة أنهم يوالونهم، وفي هذه الحال يكون أهلُ الحق ظالمين أيضًا؛

وإما أن يظلُّوا مغلوبين على أمرهم؛ لأن الظَّلَمة الذين يتعرَّضون لهم بالدوافع والمشاعر المذكورة آنفًا، لا يبالون أن يأخذوا بجريرةِ واحدٍ أو اثنين عشرين أو ثلاثين رجلًا، ويبطشوا بهم متذرِّعين بأوهى الحُجج.