538

سجين، وقد علمتُ من خلال كثرة مضايقاته لي وإفسادِه للشباب أنه يعمل على مواجهة ما تقومون به من إصلاحٍ وإرشادٍ ببثِّ الزندقة وإفساد الأخلاق، إذِ التخريب سهلٌ، خصوصًا مع الشباب الفارغين العاطلين كهؤلاء؛ وإزاء هذا الوضع يغدو من اللازم بل من الضروري أن نأخذ بالحيطة والحذر، ونجتنبَ ما أمكن التبرُّمَ من السجناء القدامى أو إزعاجَهم، ونتحلَّى بالانضباط وسَعَةِ التحمُّل، ولا نُفسِحَ المجال للفُرقة، كما ينبغي على إخواننا أن يوثِّقوا عُرى أُخوَّتِهم وتساندِهم ما استطاعوا بالتواضع والفناء عن الذات وترك الأنانية.

إن الانشغال بأمور الدنيا أمرٌ يرهقني، فلا أستطيع النظر في شؤونها لغير ضرورة، ولهذا أعتمد على خبرتكم ودرايتكم.

سعيد النُّورْسِيّ

***

إخواني..

يلزم أن أُبيِّن مسألةً أُخطِرتْ هذا الصباح ردًّا على أيِّ احتمالٍ قد يَرِد، وهي أن نفسي وشيطاني كثيرًا ما قلَّبا النظر منذ عشرين سنة في الحقائق التي تلقيناها من القرآن، وهي حقائق كالشمس أو كالنهار، لا تقبل شَكًّا ولا شبهةً ولا تردُّدًا، وكثيرًا ما تساءلا: ماذا يقول الفلاسفة الزنادقة عنها؟ وما مستندهم فيما يقولون؟

فلما لم يجِدا فيها أيَّةَ ثغرةٍ لَزِما الصمت؛ وأعتقد أن الحقيقة التي أَسكتتْ نفسي وشيطاني المعنيَّين بهذا الأمر الحسَّاسَين تجاهه، ستُسكت أعتى المتمرِّدين.

ثم ما دمنا نعمل لأجل حقيقةٍ راسخةٍ هي الأهمُّ والأعظم، وهي حقيقةٌ لا تُقدَّر بثمن، بل تَهون دونَها الدنيا، وتَرْخُص لها الأرواحُ والمُهَج، فلا بد أن نواجِه جميع ما يَعرِض لنا من مصاعب ومشاقَّ وأعداء بمنتهى الثبات.