404

لما كان مسلكُنا مسلكَ الحقائق الإيمانية المعتمدَ على سر الإخلاص، كنا مُلزَمين بترك التدخُّل في الحياة الدنيوية والحياة الاجتماعية ما لم نضطر لذلك، ومُطالَبين بالتجرُّد عن كلِّ حالةٍ تدعو إلى التنافس والتحزُّب والتنازع.

فوا أسفاه على أهل العلم وأهل الدين الذين تهاجمهم اليوم ثعابين مرعبة، بينما هم منهمكون في انتقاد بعضهم بعضًا متذرعين بهفواتٍ جزئيةٍ أشبه بلسعات البعوض، وبذلك يقدِّمون خدمةً لهؤلاء الثعابين والزنادقة المنافقين فيما يقومون به من إفساد، بل يساعدونهم حتى في قتل أنفسهم على أيديهم.

ففي رسالةٍ من أحد إخواننا المخلصين أن عالمًا واعظًا كبيرًا في السن أراد التعرض لرسائل النور على نحوٍ يَضرُّ بها، فقدح في شخصي بدعوى أن شخصًا ضعيفًا مثلي فيه آلاف العيوب قد ترك سنةً نبوية، مع أنني إنما تركتها لعذرٍ مهم.

فأولًا: اعلموا وليعلم ذلك الشيخ أنني لست سوى خادمٍ لرسائل النور ودلَّالٍ في ذلك الحانوت، أما رسائل النور فتفسيرٌ حقيقيٌّ مرتبطٌ بالقرآن العظيمِ الشأنِ المتصلِ بالعرش الأعظم، وأن ما فيَّ من النواقص والعيوب لا يسري إلى رسائل النور.

وثانيًا: بلِّغوا ذلك العالم الواعظ الفاضل سلامي؛ إنني أَقبل على الرأس والعين ما وجَّهَه إلى شخصي من اعتراضٍ وانتقاد، أما أنتم فلا تدفعوا ذلك الشيخ ولا أمثالَه إلى المناقشة والمناظرة، بل حتى لو وقعتْ إساءةٌ فلا تردُّوا عليها ولو بالدعاء، إذْ ما دام في هذا الشخص إيمان، فهو أخونا كائنًا من كان، وحتى إن عادانا فلا يمكننا بحسَب مسلكنا أن نقابله بالمثل، إذ يوجد أعداءُ أقوى وثعابين أشدُّ، ونحن إنما نحمل النور لا الهِراوات، والنور لا يؤلِم، بل يلاطف بضيائه؛ فلا تستثيروا الأنانيات، لا سيما إن كان المرء من أهل العلم، وكانت تأتيه من العلم أنانيةٌ، بل استرشدوا ما استطعتم بدستور الآية: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان:72].