386

باسمه سبحانه

إخواني الأعزاء.. بينما كان اللازم أن تكون الحقائق الإيمانية المقصِدَ الأولَ المقدَّمَ على كل شيءٍ في هذا الزمان، وأن تبقى سائر الأشياء في درجةٍ ثانيةٍ أو ثالثةٍ أو رابعة؛ وبينما كان اللازم كذلك أن تبقى خدمة هذه الحقائق برسائل النور الوظيفةَ الأُولى، وتكونَ موضعَ العناية والاهتمام والمقصودَ بالذات؛ إذا بأحوال العالَم اليوم، وبالحياة الدنيوية لا سيما منها الحياة الاجتماعية، أخص بالذكر الحياةَ السياسية، وبالأخص الحربَ العالمية التي هي تجلٍّ من تجليات الغضب الإلهي النازل جزاءً على ضلالة المدنية ورذائلها، قد هيجتْ عِرْقَ التحيُّز وأثارت نوازعَه، حتى وصلتْ إلى باطن القلب، فأقامت الرغبات الفانية الضارة مقام الحقائق الإيمانية النفيسة نفاسةَ الألماس.

لقد حقنَ هذا العصرُ المشؤومُ العروقَ ولقَّحها بهذه الأمور وما يزال، لدرجة أن بعض السطحيين بل بعض ضعاف المشايخ ممن هم خارج دائرة رسائل النور جعلوا حكمَ الحقائق الإيمانية في درجةٍ ثانيةٍ أو ثالثة، بسبب علاقاتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية، وراحوا يوادُّون مَن شاكَلَهم في الفكر من المنافقين مجاراةً لتياراتهم، ويعادون من يخالفهم من أهل الحقيقة بل من أهل الولاية وينتقدونهم؛ حتى لقد جعلوا المشاعر الدينية تابعةً لتلك التيارات.

فإزاء هذا الخطر المحدق لهذا العصر، أسقطتْ خدمةُ رسائل النور والاشتغالُ بها السياسةَ الحاضرةَ وتياراتها من نظر اهتمامي، لدرجة أني منذ أربعة أشهر لم أُوْلِ هذه الحرب العالمية اهتمامًا ولم أسأل عنها.

ثم إنه ما ينبغي لخواصِّ طلاب رسائل النور، المشتغلين بوظيفة الحقائق الإيمانية التي هي بحكم ألماسٍ باق، أن يَفْتُروا عن وظائفهم القدسية، أو يلوِّثوا أفكارهم بالتفرُّج على ألعاب شطرنج الظَّلمة، فلقد أعطانا الحق نورًا ووظيفةً نورانية، وأعطى أولئك