504

باسمه سبحانه

أسرُد ذكرى قديمةً وواقعةً لطيفةً على سبيل الدفاع، كانت بقيتْ سِرًّا في محكمة «أسكي شَهِر»، ولم تَرِدْ رسميًّا في الضبط، ولم تُسجَّل في دفاعاتي.

سألوني هناك: ما رأيك في النظام الجمهوري؟ فأجبتهم قائلًا: إن سيرة حياتي التي بحوزتكم تُثبت أنني جمهوريٌّ متديِّنٌ مِن قَبْلِ أن تولدوا أنتم جميعًا باستثناء رئيس المحكمة، وخلاصة ذلك أنني كنتُ في ذلك الحين -مثلما أنا اليوم- مُختَليًا تحت قبةِ ضريحٍ مهجور، وكان يأتيني الحَساء، فكنتُ أنثر حباته للنمل، وأكتفي بالخبز والمرَق؛ فكان الذين يسمعون بهذا الأمر يسألونني عن سببه فأجيبهم: إن أُمم النمل والنحل هذه أممٌ جمهورية، وأنا أنثر حبات الحَساء للنمل احترامًا لحرصها على الجمهورية.

ثم قالوا لي: إنك تخالف السلف الصالح!! فأجبتهم: لقد كان كلُّ واحدٍ من الخلفاء الراشدين خليفةً ورئيسَ جمهوريَّةٍ في الوقت ذاته، فالصِّدِّيق الأكبر رضي الله عنه كان بلا شك بمثابة رئيسِ جمهوريةٍ فيها العشرة المبشرون بالجنة والصحابة الكرام رضي الله عنهم؛ إلا أنهم لم يكونوا رؤساء اسمًا بغير مسمَّى، وشكلًا بغير مضمون، بل كانوا رؤساء جمهوريةٍ متديِّنين يحملون معاني العدالةِ والحرية الشرعية بحقيقتها.

فيا أيها المدعي العام.. ويا أعضاء المحكمة.. إنكم تتهمونني بنقيضِ ما أنا عليه منذ خمسين سنة!! فإن تسألوني عن الجمهورية العَلمانية، فإني أعلم أن العَلمانية تعني لزوم الحياد، فكما أنها لا تتعرض للملاحدة وأهل الفجور بمقتضى دستور حرية الضمير، فإنها كذلك لا تتعرض للمتدينين وأهل التقوى، فهذا ما أعدُّه حكومةً عَلمانية.

لقد انسحبتُ من الحياة السياسية والاجتماعية منذ عشر سنين -وقد أصبحتِ الآن عشرينَ سنة- ولا أدري الحال التي آلَتْ إليها الحكومة الجمهورية، فإن بلغت بها