498

ثم إني كنتُ قد بيَّنتُ في سالف عهدي حقيقةَ حديثٍ شريفٍ، وكتبتُها في رسالةٍ خصوصيةٍ لا تُتداوَل؛ ثم حصل بعد ذلك بزمنٍ أنْ قابلتُ الشخصَ الذي تولَّى زمام الحكم بأنقرة، وواجهتُه باعتراضاتٍ وكلامٍ شديد اللهجة، فالتزم الصمت ولم يردَّ بشيء؛ ثم إن هذه الرسالة المذكورة كانت قد تضمنت انتقاداتٍ أصليةً لازمةً عامَّةً كَشَفتْ عن أخطاء هذا الرجل بعد أن مات، فراحوا يحملونني مسؤوليتَها!! فأين مراعاةُ خاطرِ شخصٍ طواه الموت وانقطعت صلتُه بالحكومة من مراعاة خاطر الحكومة والشعب، أعني مراعاةَ القوانين والعدالة التي هي تجلٍّ من تجليات حاكمية الله جلَّ شأنه؟!

وكذلك الحال مع مبدأ حرية الضمير والرأي الذي هو أهم أساسٍ من أُسس الحكومة الجمهورية نستند إليه وندافع عن أنفسنا به، فقد جعلوه ذريعةً لإدانتنا وتحميلِنا المسؤولية وكأننا نعارض هذا الأساس!!

ثم إنهم ينسُبون إليَّ في محاضر الضبط أمورًا لا تخطر بالبال ولا بالخيال، بسبب انتقادي سيئاتِ المدنية المعاصرة وعيوبَها، فيتهمونني بمعاداة ما أَنتجه التقدُّم الحديث، كما لو أنني أرفض استعمال المذياع والطيارة والقطار. [سبق لي أن قلتُ في معرِض الحديث عن مقابلةِ نعمةٍ عظيمةٍ كالمذياع بالشكرِ العظيم: فلْيَقرأِ المذياعُ القرآنَ، ولْيُسمعْه كلَّ إنسانٍ على وجه البسيطة، ولْيكن الأثيرُ حاملًا للقرآن؛ المؤلِّف]

ومن هنا فإن محكمة «دَنِزْلي» ومدَّعيَها العامَّ العادلَين المنصفَين سيُظهِران بإذن الله -قياسًا على هذه الأمثلة- أن هذه المعاملة تخالف العدالة أوضحَ مخالفة، ولن يُعيرا أهميةً لما ورد في محاضر الضبط من أوهام.

والأعجب من ذلك أن مدَّعيًا عامًّا في محكمةٍ أخرى سألني: إنك قلتَ في «رسالة الشعاع الخامس» -وهي رسالةٌ خصوصيةٌ لا تُتداوَل-: «إن زمام الجيش سيُفلِت من قبضة ذلك الرجل الرهيب»، فهل تقصد بقولك هذا تحريضَ الجيش على التمرُّد على