633

إن بعض الصحابة نظروا إلى تلك الحرب من زاوية الرُّخصة الشرعية والعدالة الإضافية النِّسبية، فتركوا المسلك الذي اتبعه الإمام عليٌّ رضي الله عنه، وهو مسلك العزيمة الشرعية والعدالة الحقيقية، مع ما فيه من زهدٍ واستغناءٍ واقتصاد؛ وإنما تركوا هذا المسلك من حيث الاتِّباع لا غير، وانضموا نتيجة اجتهادهم هذا إلى الطرف المعارض لعليٍّ رضي الله عنه؛ حتى لقد وُجِد في هذا الطرف -حينًا من الوقت- أخو عليٍّ عقيلُ بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس المسمَّى حَبْرَ الأمة؛ فلأجل هذا المعنى، وبناءً على الدستور الشرعي الأصيل القائل: «من محاسن الشريعة سَدُّ أبواب الفِتَن»، قال أهلُ السنة والجماعة الحقيقيون: «طَهَّرَ الله أيديَنا منها، فلنطهِّر منها ألسنتَنا»، فلم يَرَوا من الجائز فَتْحَ بابِ تلك الفِتَن والخوضَ فيها، لأنه إنْ كان ثمة بضعة أشخاصٍ يستحقون الاعتراض، فإن نزعة التحيز لا تلبث أن تتحرك، فتبدأ بالاعتراض على الصحابة الكرام، بل تعترض حتى على بعض آل البيت الذين وُجِدوا في صفوف الطرف المعارض لعليٍّ رضي الله عنه، وتعترض على كبار الصحابة كطلحة والزبير من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، وتُستثار حينئذٍ نزعةُ الذمِّ والعداء، فمن هنا مال أهلُ السنة إلى إغلاق هذا الباب؛ حتى إن سعد الدين التفتازاني، وهو إمامٌ شهيرٌ من أئمة أهل السنة وعالمٌ جليلٌ من علماء الكلام لما قرَّر جوازَ إطلاقِ اللعن والتضليل بحق يزيد والوليد، ردَّ عليه علَّامةٌ من أهل السنة والجماعة، وهو السيد الشريف الجُرجاني بقوله: صحيحٌ أن يزيد والوليد كانا من الظَّلَمة الطُّغاة الفَجَرة، إلا أنه لما كان موتُهم على غير الإيمان أمرًا غيبيًّا، ولم يكن من سبيلٍ للعلم بذلك على وجه القطع، ولم يكن ثمة نصٌّ أو دليلٌ قاطعٌ يتناولهم بأشخاصهم، لم يكن من الجائز لعنُ شخصٍ بعينه، لاحتمال توبته وموته على الإيمان، وإنما يجوز اللعن على سبيل العموم مثلُ: لعنة الله على الظالمين والمنافقين؛ وإلا فلا موجب لهذا، بل فيه ضرر.

لم أستطع كتابة جوابٍ مطوَّلٍ عن رسالتك العلمية الرصينة بسبب مرضي الشديد ومشاغلي الضرورية، فهذا ما أمكنني كتابتُه على عجَل.

أخوكم

سعيد النُّورْسِيّ

***